ومعلوم أن وهؤلاء مع جمهور أئمة الأمة وسلفها ليسوا في شيء من هذه [ ص: 583 ] الطوائف إلا في أهل الحديث والعامة، الشيع والمرجئة والكلابية والأشعرية من أهل الإثبات لأن الله تعالى فوق العرش والصفات الخبرية، وإن كان فيهم من يثبت الجسم وفيهم من لا ينفيه ولا يثبته. وأما نفي ذلك مطلقا فإنما ذكره عن المعتزلة والخوارج. وأما الضرارية والبكرية والنجارية فتوافقهم في بعض ذلك وتوافق أهل الإثبات في بعض ذلك، وهذه المقالة التي نسبها هو إلى المعتزلة هي المشهورة في كلام الأئمة وعلماء الحديث بمقالة الجهمية ؛ فإن الأئمة نسبوها إلى من أحدث هذه المقالات وابتدعها ودعا الناس إليها، والمعتزلة إنما أخذوها [ ص: 584 ] عنه، كما ذكر ذلك الإمام رحمه الله أنه أخذ ذلك عن أحمد قوم من أصحاب الجهم عمرو بن عبيد وأصحاب عمرو بن عبيد هم المعتزلة ، فإنه أول المعتزلة هو وواصل بن عطاء، وإنما كان شعار المعتزلة أولا هو: المنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، وبه اعتزلوا الجماعة، ثم دخلوا بعد ذلك في إنكار القدر. وأما إنكار الصفات فإنما ظهر بعد ذلك، وكذلك حكاية ذلك عن الخوارج إنما يكون عن متأخرة الخوارج الموجودين بعد حدوث هذه المقالات التي صنفها المعتزلة والشيعة، كما قد ذكر هو ذلك. أما قدماء الخوارج الذين كانوا على عهد الصحابة والتابعين فماتوا قبل حدوث هذه الأقوال المضافة إلى المعتزلة والجهمية ، وذلك أن مقالات هؤلاء ونحوهم إنما نقلها من كتب المقالات التي صنفها المعتزلة والشيعة كما قد ذكر هو ذلك، لم يقف هو على شيء [ ص: 585 ] من كلام الخوارج والمعتزلة ، يستكثر بالخوارج لموافقتهم لهم في إنفاذ الوعيد ونفي الإيمان والخروج على الأئمة والأمة، ولكن كان بمقالات الأشعري المعتزلة أعلم منه بغيرها لقراءته عليهم أولا، وعلمه بمصنفاتهم وكثيرا ما يحكي قول الجبائي عنه مشافهة.
وقد ذكر "مقالة " في كتابه، فقال: (ذكر قول جهم الجهمية الذي تفرد به القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله تعالى وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله تعالى، إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل، وخلق له إرادة للفعل واختيارا منفردا بذلك، كما خلق له طولا كان به طويلا، ولونا كان به [ ص: 586 ] متلونا ). قال: (وكان جهم: ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقتل الجهم جهم بمرو، قتله سلم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية ). قال: (ويحكى عنه أنه كان يقول: لا أقول إن الله تعالى شيء؛ لأن ذلك تشبيه له بالأشياء ). قال: (وكان يقول: إن علم الله تعالى محدث فيما حكي عنه، ويقول بخلق القرآن، وأنه لا يقال إن الله لم يزل عالما بالأشياء قبل أن تكون).