وسنتكلم إن شاء الله على لفظ التأويل ومعانيه في القرآن والسنة وكلام المفسرين والفقهاء والمتكلمين وغير ذلك.
فإن أخص من لفظ التأويل في كلام كثير من السلف وأهل التفسير والأئمة، وهو غير معنى لفظ التأويل في القرآن؛ وذلك أن لفظ التأويل في كلامه وكلام كثير من متأخري المتكلمين والفقهاء وأهل الأصول والجدل معناه: هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر بدليل، ولهذا يقولون: التأويل على خلاف الأصل، ويقولون: التأويل يحتاج إلى دليل، ويتكلمون في التأويلات وانقسامها إلى مقبول ومردود. لفظ التأويل في هذا الاصطلاح
وعلى هذا الاصطلاح فإقرار الكلام على معناه الظاهر وتفسيره بما يوافق معناه الظاهر ليس بتأويل، وهذا اصطلاح خاص، وإن كان قد شاع في عرف المتأخرين من هؤلاء.
وأما لفظ التأويل في كلام أكثر المتقدمين من السلف والأئمة [ ص: 453 ] من أهل الفقه والحديث والتفسير فإنهم يعنون بلفظ التأويل نظير ما يعنى بلفظ التفسير، ويقول المصنف منهم في تفسير القرآن: قد اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية، كما يقال: اختلف المفسرون في هذه الآية، وهذا الاصطلاح أعم من الذي قبله.
وأما فالمراد به حقيقة المعنى الذي يؤول إليه اللفظ، وهو الحقيقة الموجودة في الخارج، فإن الكلام قسمان: خبر، وأمر؛ فتأويل الخبر هو الحقيقة المخبر عنها، وتأويل الوعد والوعيد هو نفس الموعود به والمتوعد به، وتأويل ما أخبر الله به من صفاته نفس حقيقته وما هو عليه، وتأويل الأمر هو نفس الأفعال المأمور بها، كما قال تعالى: لفظ التأويل في القرآن هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق [الأعراف: 53] وقال تعالى: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله [يونس: 39] وقال يوسف عليه السلام: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل [يوسف: 100] وقال تعالى: فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء: 59].
/ وقد بسطنا الكلام في ذلك في القواعد وغيرها.
[ ص: 454 ] وسنتكلم -إن شاء الله- على ذلك إذا تكلمنا على ما ذكر في قوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7].