الوجه السادس عشر: هب أن يقال: إنها غير متماثلة بل هي مختلفة أو بعضها مختلف وبعضها غير مختلف حيث وردت النصوص بأسماء تقتضي حقائق غير متماثلة كقوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ص: 75] وقوله: ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن: 27] وقوله: ولتصنع على عيني [طه: 39] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: وقوله: " " المقسطون [ ص: 152 ] على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين". وفي رواية [ ص: 153 ] في الصحيح: يقبض السماوات بيمينه والأرض بيده الأخرى". إلى سائر ما ورد في هذا الباب مما يطول وصفه، فإما أن يجب تحللها إلى أجزاء متماثلة أو لا يجب، فإن وجب ذلك جاز على كل شيئين مختلفين أن يصيرا متماثلين، بل وجب منهما أن يكونا متماثلين، فإنه إذا وجب تحللهما إلى الأجزاء المتماثلة التي يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر، فقد وجب أن يجوز على أجزاء كل واحد ما جاز على أجزاء الآخر، ومن الجائز على أجزاء كل واحد التباعد والتلاقي كما ذكره، فيجب فيه جواز تفرق أجزائه وجواز أن يسد كل واحد منهما مسد الآخر، وذلك يستلزم أن يجوز على كل مختلفين أن يكونا متماثلين وإذا جاز على المختلفين أن يكونا متماثلين فقد اشتركا في أنه يجوز أن يجب ويمتنع، ويجوز على أحدهما ما جاز على الآخر. فإذا اشتركا في جواز ذلك لزم من ذلك محالات منها: أن يشتركا في جواز الممتنع والجائز لا يكون ممتنعا بل هو نقيضه، فيكونا قد اشتركا في جواز النقيضين عليهما. " والأرض بشماله"
[ ص: 154 ] وأيضا فإنه إذا جاز على أحدهما ما يجوز على الآخر ووجب ما يجب له، وامتنع عليه ما يمتنع عليه، ولو بواسطة يتماثلان فيها لزم أن يكونا متماثلين، وذلك يقتضي أن يكون كل مختلفين متماثلين، وهذا قلب للحقائق وتبديلها، وهو من أعظم السفسطة، وهذا على أصله لازم من وجه آخر، فإن عنده جميع الأجسام متماثلة، فإذن ليس في الأشياء التي لها أجزاء أشياء مختلفة بحال. فقوله: تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة أو مختلفة إنما هو تقدير وإلا فعلى أصله لا تكون إلا متماثلة، ليس في الأجسام عنده ما هو غير متماثل، وإن كان في هذا من السفسطة ومكابرة الحس والعقل ما فيه مع مخالفة كقوله تعالى: نصوص القرآن التي تثبت عدم تماثل الأجسام يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38] ونحو ذلك مما تقدم ذكره. وإن لم يجب تحللها إلى أجزاء غير منقسمة بطل ما ذكرته.