وقال عبد العزيز الكناني في رده على الجهمية بعد أن بين أنه على العرش، وأجاب عما احتجوا به، ثم قال: "ولكن يلزمك أنت أيها الجهمي أن تقول: إن الله عز وجل محدود وقد حوته الأماكن إذ زعمت في دعواك أنه لا يعقل شيء في مكان إلا والمكان قد حواه، / كما تقول العرب: فلان في [ ص: 130 ] البيت، والماء في الحب والبيت قد حوى فلانا، والحب قد حوى الماء. ويلزمك أشنع من ذلك، لأنك قلت أفظع مما قالت به النصارى؛ وذلك أنهم قالوا إن الله حل في عيسى، وعيسى بدن إنسان واحد، وكفروا بذلك، وقيل لهم ما أعظمتم الله تعالى إذ جعلتموه في بطن مريم. وأنتم تقولون إنه في كل مكان وفي بطون النساء كلهن وبدن عيسى وأبدان الناس كلهم. ويلزمك أيضا أن تقول: إنه في أجواف الكلاب والخنازير؛ لأنها أماكن وعندك أنه في كل مكان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فلما شنعت مقالته قال: يقال له: إن أصل قولك القياس والمعقول، فقد دللت بالقياس والمعقول على أنك لا تعبد شيئا؛ لأنه إذا كان شيئا ما خلا من القياس والمعقول أن يكون داخلا في الشيء أو خارجا، فلما لم يكن في قولك شيء استحال أن يكون كالشيء في الشيء [ ص: 131 ] أو خارجا عن الشيء، فوصفته لعمري ملتبسا لا وجود له، وهو دينك وأصل مقالتك التعطيل". [ ص: 132 ] أقول إن الله في كل مكان، لا كالشيء في الشيء ولا كالشيء على الشيء، ولا كالشيء مع الشيء، خارجا عن الشيء ولا مباينا للشيء.