[ ص: 158 ] فالرواية الواحدة عن وهي قول طائفة أنه يقال: «رآه» ولا يقال: «بعينه ولا بقلبه» كما في مسائل أحمد قال: «سمعت الأثرم، أبا عبد الله قال له رجل عن حسن الأشيب قال: لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، قال: فأنكره إنسان عليه، فقال: لم لا تقول: رآه ولا تقول: بعينه ولا بقلبه، كما جاء في الحديث «أنه رآه» قال رجل: فاستحسن ذلك قال الأشيب، أبو عبد الله: هذا حسن، قال: وسمعت أبا عبد الله قال: فأما من قال: إنه لا يرى في الآخرة فهو جهمي».
[ ص: 159 ] وأما من تكلم في رؤية الدنيا فقال عكرمة: «رآه» وقال الحسن: «رآه» وقال «لا أقول رآه ولا لم يره» سعيد بن جبير: «من زعم أن عائشة: محمدا رأى ربه فقد كذب» قال وقالت قلت الأثرم: لأبي عبد الله: إلى أي شيء تذهب من هذا؟ فقال: قال عن الأعمش زياد بن الحصين عن عن أبي العالية ابن عباس: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه [ ص: 160 ] مرتين» وحديث حدثنا الأثرم: محمد بن الصباح، حدثنا هشيم، ثنا منصور، عن الحكم، عن يزيد بن شريك، عن [ ص: 161 ] قال: أبي ذر «رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه».
وروى حدثنا الخلال: محمد بن الهيثم، حدثنا عمرو بن عون، أنا هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر: ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 13] قال: «رآه بقلبه [ ص: 162 ] ولم يره بعينه».
وقال حدثنا ابن خزيمة: زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم، أنا منصور، عن الحكم، عن يزيد بن شريك، عن قال: أبي ذر «رآه بقلبه ولم يره بعينه».
فجواب يقتضي أنه استحسن كلام من أطلق القول بأنه رآه ولم يقيده بعينه ولا بقلبه، ولكن لا يقتضي أنه منع من التقييد بأحدهما، بدليل أن الإمام أحمد لما سأله: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ ذكر الرواية المقيدة بالقلب، ولكن من أصحاب الأثرم من جعل هذا رواية عنه، أنه يطلق الرؤية ولا يقيد بأحدهما. أحمد
ولكن فرق بين السكوت عن التقييد وبين المنع من التقييد، فإن كان أحد يظن أن أحمد منع من التقييد فليس كذلك، وإن قال: إنه استحسن الإطلاق، فهذا حسن، وحينئذ فلا يكون روايتين بل رواية واحدة تضمنت جواز الإطلاق والتقييد [ ص: 163 ] بالقلب، لكن لم ير إطلاق نفي الرؤية؛ لأن نفيها يشعر بنفي الأمرين جميعا، وإن كان من النفاة من لا ينفي إلا رؤية العين، وهذا الذي أجاب به من حديث أحمد الذي رواه ابن عباس في صحيحه عن مسلم زياد بن الحصين، عن أبي العالية البراء، عن « ابن عباس: ما كذب الفؤاد ما رأى ، ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 11 ، 13] قال: رآه بفؤاده مرتين».
وروى في صحيحه أيضا عن مسلم عبد الملك، عن أبي سليمان، عن عن عطاء بن أبي رباح، قال: ابن عباس «رآه [ ص: 164 ] بقلبه يعني قوله: ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 13] ».
وأما حديث فقد رواه أبي ذر: في صحيحه عن مسلم عن قتادة، عبد الله بن شقيق العقيلي، عن قال: أبي ذر «سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه».
وأما ما يرويه بعض العامة أن أبا بكر سأله فقال: «رأيته» وأن سألته فقال: «لم أره» فهو كذب باتفاق أهل العلم، ولم يكن عند عائشة في هذا حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما [ ص: 165 ] تكلمت في ذلك بالرأي والتأويل لا بحديث كان عندها. عائشة
وسيأتي أن أبا عبد الله رد قول بما ثبت عائشة وسنبين إن شاء الله اتفاق المرفوع في ذلك، فإن كان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيت ربي» عنى هذا -ومع هذا- فقد رووا عنه بذلك الإسناد الآخر الجيد عن أبو ذر يزيد بن شريك، عن قال: أبي ذر محمد ربه بقلبه» دل ذلك على أن ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينف رؤية القلب التي أثبتها، بل إما أن يكون دل عليها أو لم يدل على عدمها، «رأى وأبو ذر أحق من رجع إليه في هذه المسألة؛ لأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنها وهو من أجل الصحابة رضي الله عنهم؛ فلهذا اعتمد على ما رواه عنه، وعن الإمام أحمد ابن عباس.
من أعلم أصحاب والأثرم أبي عبد الله، وأذكاهم وأعرفهم بالحديث والفقه، وحديث المرفوع قد تنازعوا فيه: هل مقتضاه إثبات الرؤية أو نفيها؟ فلذلك لم يحتج به أبي ذر أحمد.
قال «وقد روي عن أبو بكر بن خزيمة: خبر قد اختلف علماؤنا في تأويله؛ لأنه روي بلفظ يحتمل النفي [ ص: 166 ] والإثبات جميعا» وذكر الحديث، ثم قال: «وقوله: أبي ذر يحتمل معنيين، أحدهما: نفي، أي: كيف أراه وهو نور؟! نور أنى أراه»
والمعنى الثاني: أي: كيف رأيته، وإني رأيته وهو نور، فهو نور لا تدركه الأبصار إدراك ما تدرك الأبصار من المخلوقين، كما قال عكرمة -يعني عن «إن الله إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء» قال: والدليل على صحة هذا التأويل الثاني أن إمام أهل زمانه في العلم والأخبار ابن عباس-: محمد بن بشار بندارا حدثنا بهذا الخبر قال: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني [ ص: 167 ] أبي، عن عن قتادة، عبد الله بن شقيق قال: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، فقال: عن أي شيء كنت تسأله؟ فقال: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال لأبي ذر قد سألته، فقال: رأيت نورا» أبو ذر: وهذه الطريق التي ذكرناها هي من رواية «قلت عن هشام الدستوائي، واللفظ الأول هو من طريق قتادة، عن يزيد بن إبراهيم التستري وبعضهم يقول: «نور» بالرفع [ ص: 168 ] ورواه قتادة، من غير وجه بالنصب، قال ابن خزيمة ويجوز أن يكون معنى خبر ابن خزيمة: «رأيت نورا» قال: فلو كان معنى قول أبي ذر: من رواية أبي ذر «أنى أراه» على نفي معنى الرؤية، فمعنى الخبر أنه نفى رؤية الرب؛ لأن يزيد بن إبراهيم التستري أبا ذر قد ثبت عنه أنه أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه بقلبه: حدثنا غير مرة قال: ثنا أحمد بن منيع هشيم، أنا منصور -وهو ابن زاذان- عن الحكم بن يزيد الرشك، عن في قوله: أبي ذر ولقد رآه نزلة أخرى [النجم: 13] قال: «رآه بقلبه» يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو هاشم [ ص: 169 ] زيادة بن أيوب قال: حدثنا هشيم فذكر بإسناده عن قال: أبي ذر «رآه بقلبه ولم يره بعينه». وكذلك نقل حنبل عن كما رواه عنه الإمام أحمد، قال: قلت الخلال لأبي عبد الله: النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه؟ قال: «رؤيا حلم رآه بقلبه».
وكان أبو عبد الله تارة يحكي تنازع السلف في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم في الدنيا، كما روى عن الخلال جعفر بن محمد، حدثني أبو عبد الله قال: قرأت على أبي قرة الزبيدي، عن أبي جريج [ ص: 170 ] أخبرني عطاء أنه سمع يقول: رأى ابن عباس محمد صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه مرتين، قلت: يا أبا عبد الله تقول: لم يره، وأظن أني قلت له: عائشة وأبو ذر قال: قد اختلفوا في رؤية الدنيا ولم يختلف في رؤية الآخرة إلا هؤلاء الجهمية، قلت: تعيب على من يكفرهم؟ قال: لا، قلت: فيكفرون؟ قال: نعم.
وذكر هذه المسألة والجواب عنها في موضع آخر من السنة، وقال: فذكر مثل مسألة الخلال حبيش سواء، وقد ذكر قبل ذلك مسألة حبيش [ ص: 171 ] وهذه الرواية يحتمل أنه إنما حكى الاختلاف في رؤية العين؛ لأنها هي التي تتظاهر الجهمية بإنكارها، وهو ظاهر حديث عائشة المرفوع، ويحتمل أنه حكى الخلاف في رؤية القلب أيضا؛ لأن حديث وأبي ذر الذي عارضه السائل بقول ابن عباس إنما فيه رؤية القلب، ويحتمل أنه حكى الخلاف مطلقا؛ لتقابل الروايات بالإثبات والنفي، يؤيد ذلك أن الخلال جعل الجواب هنا كالجواب في مسألة عائشة حبيش بن سندي، فروى عن الخلال حبيش بن سندي أن أبا عبد الله سئل عن حديث أن ابن عباس محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال: بعضهم يقول: بقلبه، فقيل له: أيما أثبت عندك؟ فقال: في رؤية الدنيا قد اختلفوا فيها، وأما في رؤية الآخرة فلم يختلف فيها إلا هؤلاء الجهمية، قيل له: تعيب على من يكفرهم؟ قال: لا، قيل: فيكفرون؟ قال: نعم.
ففي هذا الجواب أنهم سألوه عما يروى عن من إطلاق الرؤية، فقال بعض الرواة: يقيدها بالقلب، ولما سئل: أيما أثبت عندك لم يجزم بأحد الطرفين، لكن ذكر أن السلف تنازعوا في ذلك، ولم يتنازعوا في رؤية الآخرة، فيحتمل [ ص: 172 ] أنهم تنازعوا هل «رآه بقلبه» أم لا، ويحتمل أنهم تنازعوا في إثبات الرؤية مطلقا ومقيدا، وفي إطلاق نفيها، ولكن استقر أمره على إثبات ما ورد في ذلك من الأحاديث الثابتة، والرد على من نفى موجبها. ابن عباس
قال أنا الخلال: قال: قرأت على أبو بكر المروذي أبي عبد الله: وأبنا قال: قرأت على عبد الله بن أحمد أبي قرة الزبيدي، عن قال: أخبرني ابن جريج عطاء أنه سمع يقول: ابن عباس زاد «رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرتين» ثنا عبد الله بن أحمد: نصر بن علي قال: حدثنا حدثنا أشعث بن عبد الله، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عبد الله بن [ ص: 173 ] الحارث، عن كعب قال: «إن الله تعالى قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم فرآه محمد مرتين وكلمه موسى مرتين».
أخبرنا عن المروذي: أبي عبد الله، عن ثنا وكيع، عباد الناجي، سمعت عكرمة يقول: «نعم رأى محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 174 ] ربه» حتى انقطع نفسه.
وأخبرنا عن المروذي أبي عبد الله، عن يزيد بن عباد، قال: سألت الحسن وعكرمة عن قول الله تعالى: والنجم إذا هوى [النجم: 1] قالا: إذا غاب، فذكر الحديث ثم دنا فتدلى [النجم: 8].
قال الحسن: «هو ربي» فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم: 9] فقلت: يا أبا سعيد: هل شاهده؟ قال: نعم، فقرأها حتى بلغ لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم: 18] فتلكأ الحسن وقال: رأى عظمة ربه ورأى أشياء، فقال عكرمة: ما تريد؟ قال: أريد أن تبين لي، فقال: «قد رآه ثم رآه».