فصل
قال الرازي: «الفصل الثالث: في لفظة النفس».
احتجوا على إطلاق هذا اللفظ بالقرآن والأخبار:
أما القرآن: فقوله تعالى في حق موسى عليه السلام: واصطنعتك لنفسي [طه: 41] وقال حاكيا عن عيسى عليه السلام: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] وقال تعالى في صفة أهل الثواب: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام: 54] وقال تعالى في تخويف العصاة: ويحذركم الله نفسه [آل عمران: 28 - 30].
وأما الأخبار فكثيرة:
الخبر الأول ما روى أبو صالح، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه». «أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، يقول الله تعالى:
[ ص: 424 ] والخبر الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضاء، نفسه، وزنة عرشه».
الخبر الثالث: عن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه، فهو عنده: إن رحمتي سبقت غضبي».
قال: واعلم أن النفس جاء في اللغة على وجوه:
أحدها: البدن، قال الله تعالى: كل نفس ذائقة الموت [آل عمران: 185] ويقول القائل: كيف أنت في نفسك؟ أي: كيف أنت في بدنك.
وثانيها: الدم، يقال: هذا حيوان له نفس سائلة، أي: دم سائل، ويقال للمرأة عند الولادة: إنها نفست بخروج الدم منها عقيب الولادة.
وثالثها: الروح، قال الله تعالى: الله يتوفى الأنفس حين [ ص: 425 ] موتها [الزمر: 42].
ورابعها: العقل، قال الله تعالى: وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام: 60].
وذلك لأن الأحوال بأسرها باقية حالة النوم إلا العقل فإنه هو الذي يختلف الحال فيه عند النوم واليقظة.
وخامسها: ذات الشيء وعينه، وقد قال تعالى: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون [البقرة: 9] فاقتلوا أنفسكم [البقرة: 54] ولكن ظلموا أنفسهم [هود: 101].
إذا عرفت هذا فنقول: لفظ النفس في حق الله تعالى ليس إلا الذات والحقيقة، فقوله: واصطنعتك لنفسي كالتأكيد الدال على مزيد المبالغة، فإن الإنسان إذا قال: جعلت هذه الدار لنفسي وعمرتها لنفسي، فهم منه المبالغة.
وقوله: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب [المائدة: 116] [ ص: 426 ] المراد تعلم معلومي ولا أعلم معلومك، وكذلك القول في بقية الآيات.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن رب العزة: فالمراد أنه: إن ذكرني بحيث لا يطلع عليه أحد غيره ذكرته بإنعامي وإحساني من غير أن يطلع عليه أحد من عبيدي؛ لأن الذكر في النفس عبارة عن الكلام الخفي، والذكر الكامن في النفس، وذلك على الله تعالى محال. «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي»
وأما قوله: فالمراد: ما يرتضيه الله لنفسه ولذاته، أي: تسبيحا يليق به. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله زنة عرشه، ورضاء نفسه» فالمراد به كتب كتابا وأوجب العمل به، والمراد من قوله: «كتب كتابا على نفسه» التأكيد والمبالغة في الوجوب واللزوم، فثبت أن المراد بالنفس في هذه المواضع هو الذات، وأن الغرض من ذكر هذا اللفظ المبالغة والتأكيد». «على نفسه»