قال تعالى: يقال: هما مشتبهان، وإن كان كثير من الناس يميز بينهما، لكن قد يكون بعض الناس غير مميز، بخلاف لفظ التماثل، فإنه أخص من لفظ التشابه، والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه [الأنعام: 141]. وفي الآية الأخرى مثلها: مشتبها وغير متشابه قيل: بعضه متشابه وبعضه غير متشابه، وقيل: بل هو مشتبه في المنظر واللون، وهو غير متشابه في الطعم، ومعلوم أن ما تشابه ورقه ومنظره -كما يشبه ورق الزيتون ورق الرمان- فالناس يميزون بينهما، وكذلك إذا قيل: بعضه متشابه كما تشبه الشجرة الشجرة، أو ورقها ورقها، أو ثمرها ثمرها، [ ص: 349 ] وقد تكون مع التمييز بينهما، إلا إذا صارا متماثلين مثل حبتي الحنطة، فهذا لا تمييز بينهما، وهو سبحانه وتعالى قال في القرآن: إنه متشابه، أي: يشبه بعضه بعضا في الحسن والصدق، فالتمييز حاصل مع ذلك.
وكذلك قوله تعالى: وأتوا به متشابها [البقرة: 25]. والعرب تقول: "من أشبه أباه ما ظلم". والتمييز حاصل بينه [ ص: 350 ] وبين أبيه.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قضى بالولد للفراش وصاحب الفراش زمعة أبو قال [ ص: 351 ] النبي صلى الله عليه وسلم: سودة بنت زمعة أم المؤمنين سودة» لما رأى من شبهه البين «واحتجبي منه يا بعتبة.
وعتبة هذا هو ابن أبي وقاص، أخو سعد رضي الله عنه، فهذا شبه بين، مع أنهم كانوا يفرقون بين هذا وبين عتبة ابن أبي وقاص، وهو الذي ادعاه من فجور.
قال لأخيه "انظر ابن وليدة سعد بن أبي وقاص: زمعة، فإنه ابني، فاختصم فيه سعد وعبد بن [ ص: 352 ] [ ص: 353 ] زمعة صحاب الفراش سيد الأمة الذي كان يطؤها".
وفي كتاب عمر بن الخطاب لأبي موسى رضي الله عنهما في القضاء: اعرف الأشباه والنظائر، وفسر الأمور برأيك" فهو يعلم أن هذا يشبه هذا مع تمييزه [ ص: 354 ] بينها، ويقال: هذا أشبه بهذا من هذا، فكل منهما يشبهه، وأحدهما أشبه مع التمييز بين الثلاثة، وقوله تعالى: كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم [البقرة: 118]. مع حصول التمييز بينها.
وفي الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم: فهذا تشبيه مع "لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
[ ص: 355 ] وجود الفرق والتميز، ومثل هذا كثير، لكن قد يحصل الاشتباه على بعض الناس بحيث لا يميز بينهما، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس».
فهذا دليل على أن بعض الناس يعلمها، ويميز منها الحلال من الحرام، وإن كان غيره لا يمكنه ذلك، فالمشتبهات قد يعلم الفروق بينها بعض الناس دون بعض، وهذا الموضع ينبغي تحقيقه، فإنه سبحانه وتعالى قد وصف القرآن كله بأنه محكم في عدة آيات؛ كقوله تعالى: أحكمت آياته ثم فصلت [هود: 1]. وقوله تعالى: الر تلك آيات الكتاب الحكيم [يونس: 1]. وقوله تعالى: الم تلك آيات الكتاب الحكيم [لقمان: 1-2]. وقوله تعالى: ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم [آل عمران: 58]. كما وصفه بأنه بيان، وبأنه مبين، في مثل قوله تعالى: رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور [الطلاق: 11]. ووصفه بأنه مبين في قوله تعالى: تلك آيات القرآن وكتاب مبين [النمل: 1]. وقوله تعالى: [ ص: 356 ] تلك آيات الكتاب وقرآن مبين [الحجر: 1]. ووصفه بأنه جعله عربيا ليعقلوه، ووصفه بأنه بصائر وبيان وهدى للناس، ونحو ذلك مما تقدم ذكره، وهذا يعم جميع القرآن.