الوجه الثامن عشر: أنه قال في الجواب: أما قولهم: الذي لا يحس ولا يشار إليه أشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ. قلنا: كونه موصوفا بالحقارة إنما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال إنه أصغر من غيره، أما إذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار، فلم يلزم وصفه بالحقارة.
[ ص: 567 ] يقال له: هذه مصادرة على المطلوب فإنك أنت أثبت تنزيهه عن الحيز بهذه الحجة التي جعلت من مقدماتها أنه ليس بحقير بقدر الجوهر الفرد، فقيل لك: وقد وصفته بذلك، فلا يكون وصفه بقدر الجوهر الفرد محالا على أصلك، فقلت: أما كونه موصوفا بالحقارة إنما يلزم إذا كان له حيز ومقدار، وأما إذا كان منزها عن الحيز والمقدار، فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة، فيقال لك: الكلام إنما هو في تنزيهه عن الحيز والمقدار، فأنت تنفي ذلك ومنازعك يثبته، وهو محل النزاع، فإذا كان جوابك مبنيا على محل النزاع كنت قد صادرت منازعك على المطلوب حتى جعلت المطلوب مقدمة في إثبات نفسه، والمقدمة لابد أن [ ص: 568 ] تكون معلومة أو مسلمة، فتكون قد طلبت منه تسليم الحكم قبل الدلالة عليه وادعيت علمه قبل حصول علمه، وقد صادرته عليه، وطلبت منه أن يسلمه لك بلا حجة. ما لا يمكن الإشارة إليه وإحساسه أحقر من الجوهر الفرد،
وإيضاح هذا أن العلم بكونه إذا وصفته بأنه لا يحس ولا يشار إليه ليس بأحقر من الجوهر الفرد إما أن يقف على العلم بكونه ليس بذي حيز ومقدار أو لا يتوقف.
فإن توقف عليه لم يصح هذا الجواب حتى يثبت أنه ليس بذي حيز ومقدار حتى يتم الجواب عما أورد على الحجة، فإذا كان جواب الحجة لا يتم حتى يثبت أنه ليس بذي حيز ولا مقدار، ولا يثبت ذلك حتى يتم جواب الحجة لم يكن واحدا منهما حتى يكون الآخر قبله، وذلك دور ممتنع.
وإن كان العلم بكونه ليس أحقر من الجوهر الفرد إذا وصف بأنه لا يحس ولا يشار إليه لا يقف على العلم بأنه ليس بذي حيز [ ص: 569 ] ومقدار لم يصح هذا الجواب، وهو قولك كونه موصوفا بالحقارة إنما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال إنه أصغر من غيره، بل كان الجواب أن يقال لا يلزم أن يكون أحقر من الجوهر الفرد سواء قيل إنه ذو حيز ومقدار أو لم يقل ذلك، لكنه لو قال ذلك لظهر أن كلامه باطل فإنه يعلم بالحس والضرورة أن كل ما كان ذا حيز ومقدار قيل إنه لا يحس ولا يشار إليه؛ فإنه أصغر من الجوهر الفرد.