وأما حديث فذكر ابن مسعود في كتاب السنة قال: أنا الخلال قال: ذكرت أبو بكر المروذي لأبي عبد الله حديث [ ص: 61 ] محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد قال: حدثني عن زيد بن أبي أنيسة المنهال عن أبي عبيدة عن قال: حدثنا مسروق رضي الله [ ص: 62 ] عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن مسعود ينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي. فقال أبو عبد الله: هذا حديث غريب لم يقع إلينا عن قال محمد بن سلمة. واستحسنه. المروذي:
قال وأخبرنا الخلال: حدثنا أبو بكر المروذي، إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني، حدثنا عن محمد بن سلمة أبي عبد الرحيم خالد بن أبي يزيد، حدثني ابن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن قال: حدثنا مسروق بن الأجدع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عبد الله بن مسعود، يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء، قال: وينزل الله تبارك وتعالى في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد يا أيها الناس، ألن ترضوا من ربكم [ ص: 63 ] الذي خلقكم ورزقكم، وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل إنسان منكم ما كان يتولاه ويعبده في الدنيا؟ أليس ذلك عدلا من ربكم؟ قالوا: بلى. قال: فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا، قال: فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، وإلى الأوثان من الحجارة، وأشباه ذلك مما كانوا يعبدون. قال: ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، قال: فيتمثل الرب جل وعز فيأتيهم فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا إلها ما رأيناه بعد. فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، بيننا وبينه علامة إذا رأيناه عرفناه. قال: فيقول: ما هي؟ قال: فيقولون: يكشف عن ساقه. قال: فعند [ ص: 64 ] ذلك يكشف عن ساقه، قال: فيخر من كان بظهره طبق، ويبقى قوم ظهورهم كأنها صياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم. قال: فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه فيضيء مرة ويطفئ أخرى، فإذا أضاء قدر قدمه مشى، وإذا أطفئ قام. قال: والرب تبارك وتعالى أمامهم حتى يمر في النار، يبقى أثره كحد السيف دحض مزلة، ويقول: مروا، فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرف العين [ ص: 65 ] ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل، حتى يمر الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على يديه ووجهه ورجليه تخر يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار. قال: فلا يزال كذلك حتى يخلص، فإذا خلص وقف عليها، ثم قال: الحمد لله، لقد أعطاني الله عز وجل ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها. قال: فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل. قال: فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، قال: ورأى ما في الجنة من خلال الباب. قال: فيقول: رب أدخلني الجنة. قال: فيقول الله عز وجل: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار؟ قال: فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها. قال: فيدخل الجنة، قال: [ ص: 66 ] فيرى أو يرفع له منزلا أمام ذلك، كأن ما هو فيه إليه حلم. قال: فيقول: رب أعطني ذلك المنزل. قال: فيقول الله عز وجل: لعلك إن أعطيته تسأل غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، وأي منزل يكون أحسن منه؟! قال: فيعطيه، قال: فينزله، قال: ورأى أمام ذلك منزلا آخر كأن ما هو فيه إليه حلم. قال: فيقول: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله عز وجل: فلعلك إن أعطيته تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، وأي منزل أحسن من هذا؟! قال: فيعطاه فينزله، قال: فيرى أو يرفع له أمام ذلك المنزل منزلا آخر كأن ما هو فيه إليه حلم. قال: فيقول: رب أعطني ذلك المنزل فيقول الله عز وجل: فلعلك إن أعطيته لا تسأل غيره. فيقول: لا وعزتك، وأي منزل أحسن منه؟! قال: فيعطاه فينزله. قال: ثم [ ص: 67 ] يسكت، قال: فيقول الله عز وجل: مالك لا تسأل؟ قال: فيقول: رب لقد سألت حتى استحييت وأقسمت لك حتى استحييت. فيقول الله عز وجل: له: ألن ترضى إن أعطيتك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى أن أفنيتها وعشرة أضعافها؟ قال: فيقول: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟ قال: فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله، قال: فرأيت رضي الله عنه، حين بلغ هذا المكان من الحديث ضحك، قال: فقال له رجل: يا عبد الله بن مسعود أبا عبد الرحمن، قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا، كلما بلغت هذا المكان من الحديث ضحكت؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مرارا، كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى يبدو آخر أضراسه. قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: لا، ولكني على ذلك قادر، سل. فيقول: رب [ ص: 68 ] ألحقني بالناس. فيقول: الحق بالناس، فينطلق يرفل في الجنة، حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له: ارفع رأسك، قال: فيقول: رأيت ربي أو تراءى لي ربي عز وجل، قال: فيقال: إنما هو منزل من منازلك. قال: فيلقى رجلا فيتهيأ للسجود، فيقال له: مه مالك؟ فيقول: أنت ملك من الملائكة؟ فيقول: إنما أنا خازن من خزانك، عبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه، قال: فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر، قال وهو درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها، فتستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون بابا، كل باب يفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى [ ص: 69 ] في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، وأدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء جلدها، كبدها مرآته، وإذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت عليه من قبل، وإذا أعرضت عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفا عما كان عليه من قبل، فيقول لها: والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا، وتقول له: وأنت والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا. قال: فيقال له: أشرف، فيشرف، قال: فيقال له: ولك ملك مسير مائة عام ينفذه بصرك. فقال ألا تسمع إلى ما يحدثنا به عمر رضي الله عنه: ابن [ ص: 70 ] أم عبد يا كعب عن فكيف أعلاهم؟ قال كعب: يا أمير المؤمنين، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله تعالى كان خلق لنفسه دارا وجعل ما شاء فيها من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه، لا أدنى أهل الجنة منزلا، جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة: 17]. قال وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه، ثم قال: من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد، حتى إن الرجل من أهل عليين ليخرج يسير في ملكه، فما تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها ضوء من ضوء وجهه، ويستبشرون بريحه، ويقولون: واها لهذه الريح الطيبة! هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه. فقال رضي الله عنه: ويحك [ ص: 71 ] يا عمر بن الخطاب كعب، إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب: حتى إن والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة، ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر لركبتيه، إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام يقول: رب نفسي نفسي، حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت أنك لن تنجو. [ ص: 72 ] وقد روى هذا الحديث في كتاب ذكر نعيم الآخرة، وأحال عليه في كتاب التوحيد، وهذا الحديث المسند عن ابن خزيمة رضي الله عنه قد روى أهل الصحاح كثيرا منه عن ابن مسعود من وجوه أخرى. ابن مسعود