قال: "وأخرى: أنه قد عقل كل ذي عقل ورأي أن القول لا يتحول صورة له لسان وفم، ينطق ويشفع، فحين اتفقت المعرفة من المسلمين أن ذلك كذلك علموا أن ذلك  [ ص: 200 ] ثواب يصوره الله تعالى بقدرته صورة رجل يبشر به المؤمنين؛ لأنه لو كان [للقرآن] صورة كصورة الإنسان لم يتشعب أكثر من ألف ألف صورة، فيأتي أكثر من ألف ألف شافعا وماحلا؛ لأن الصورة الواحدة إذ هي [أتت] واحدا زالت عن غيره، فهذا معقول لا يجهله إلا كل جهول". 
قال: "وهذا كحديث  الأعمش،  عن المنهال،  عن  زاذان،  عن  البراء بن عازب،  عن النبي صلى الله عليه وسلم:  "أن الرجل إذا مات تأتيه أعماله الصالحة في صورة رجل في أحسن هيئة، وأحسن لباس، وأطيب ريح، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، كان حسنا، فكذلك تراني  [ ص: 201 ] حسنا، وإن كان طيبا تراه طيبا، وكذلك العمل السيئ يأتي صاحبه فيقول له: مثل ذلك، ويبشره بعذاب الله". 
قال: "وإنما عملهما الصلاة، والزكاة، والصيام، وما [أشبهها] من الأعمال الصالحة، وعمل الآخر الزنا، والربا، وقتل النفس بغير حقها، وما [أشبهها] من المعاصي، قد اضمحلت وذهبت في الدنيا، فيصور الله بقدرته للمؤمن والفاجر ثوابها، وعقابها، يبشرهما به، إكراما للمؤمنين وحسرة على الكافرين. 
وهذا المعنى أوضح من الشمس، وقد علمتم ذلك -إن شاء الله تعالى- ولكن تغالطون وتدلسون، وعليكم أوزاركم وأوزار من تضلون" وقال  [ ص: 202 ]  الخلال  في كتاب (السنة): أخبرني محمد بن عبد الله بن إبراهيم،  حدثني أبو جعفر  قال: كان رجل يأتي أبا عبيد،  قال: فسأله عن الحديث الذي يروى فيه: أن البقرة وآل عمران تأتي يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان. أليس ذلك يدلك على أن هذا مخلوق؟  فقال أبو عبيد:  إن إسماعيل بن إبراهيم،  حدثنا عن علي بن زيد بن جدعان،  عن سعيد بن  [ ص: 203 ] كعب  قال: لو رأى أحدكم ثواب ركعتين لرأى أعظم من الجبال الراسيات وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  "ظل المؤمن صدقته يوم القيامة" فيجيء ديناره ودرهمه يظله، إنما هذا ثواب ذلك، وقال الله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها   [الأنعام:160] ومن أكبر الحسنات أن يقول الرجل: لا إله إلا الله، فإذا قال لا إله إلا الله، يقال له يوم القيامة لا إله إلا الله عشر مرات، إنما هذا ثواب ذلك. قال: "ولم نر العرب تدفع في طبعها أن يقول الرجل للرجل:  [ ص: 204 ]  [لأوفينك] ما عملت، ليس أنه يريد نفس ما عمل، إنما يعده على الطاعة الثواب، ويتوعده على المعاصي العقاب، وإنما معنى مجيء البقرة وآل عمران إنما يعني ثوابهما". 
				
						
						
