[ ص: 270 ] فصل
الرازي: "التاسع: قال صلى الله عليه وسلم: والعاقل لا يثبت لله تعالى إزارا، ورداء. "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري" قال:
فيقال: هذا الحديث (في الصحيح) رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مسلم، "يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدا منهما عذبته".
وقد ورد -أيضا- "سبحان من تقمص بالعز ولاق [ ص: 271 ] به".
وليس ظاهر هذا الحديث أن لله إزارا ورداء من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناس، مما يصنع من جلود الأنعام والثياب، كالقطن، والكتان.
بل الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد. فإنه لو قال عن بعض العباد: إن العظمة إزاره والكبرياء رداؤه، لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء اللذين ليسا من جنس ما على ظهور الأنعام، ولا من جنس الثياب، ما يبين ويظهر أنه ليس المعنى أن العظمة والكبرياء هما إزار ورداء بهذا المعنى، فإذا كان المعنى الفاسد لا يظهر من وصف المخلوق بذلك؛ لأن تركيب اللفظ يمنع ذلك، ويبين المعنى الحق، فكيف يدعي أن هذا المعنى ظاهر اللفظ في حق الله تعالى الذي يعلم كل مخاطب أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عنه بلبس الأكسية، وثياب القطن والكتان، التي يحتاج إليها لدفع الحر والبرد وستر العورة، وهذا أقبح ممن يزعم أن قوله: "إن خالدا [ ص: 272 ] [سيف] من سيوف الله سله الله على المشركين" أن ظاهره أن خالدا من حديد، وأقبح ممن يزعم أن قوله عن الفرس: ظاهره أن الفرس ماء كثير، [ونظائر] هذا كثيرة. "إن وجدناه لبحرا"
وإذا كان هذا المعنى الفاسد ليس ظاهر الحديث، بل نص الحديث الذي هو أبلغ من مجرد الظاهر ينافيه، كان ما ذكره باطلا، يبقى أن يقال: فالتعبير عن هاتين الصفتين بإضافة الرداء والإزار إليه فهذا لا يحتاج إليه في رد ما قال، لكن فيه زيادة الفائدة.
وقد قال وغيره: "إن المعنى أني مختص بهاتين الصفتين كاختصاص المؤتزر المرتدي بإزاره وردائه، فلا يصلح أن أنازع فيهما". الخطابي
وهذا كلام مجمل، وبسط ذلك يحتاج إلى أن يعرف أن جنس اللباس في كل ما يضاف بحسبه، فبنو آدم يذكر لهم [ ص: 273 ] اللباس الذي على أبدانهم الذي يقيهم الحر، والبرد، والسلاح، ويستر عوراتهم، وهو المذكور في قوله تعالى: قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم [الأعراف: 26].