الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا نتكلم على حجته في هذا المقام، فإنه يقال له: قولك لو كان مختصا بالحيز والجهة لكان لا يخلو إما يكون متناهيا من جميع الجوانب أو بعضها أو غير متناه من جميعها. يعارضونه بأن يقولوا: هذه الحجة ترد عليك أيضا بأن يقال: ولو كان موجودا أو قائما بنفسه كان متناهيا أو غير متناه، فإن قلت: نحن نقول هو موجود في غير جهة ولا حيز أصلا، وهو غير متناه في ذاته بمعنى أن ذاته يمتنع أن يكون لها طرف ونهاية وحد.

[ ص: 750 ] يقال لك: إذا عقل موجود لا نهاية له، بهذا التفسير فلأن يعقل موجود فوق العرش لا يوصف بالتناهي وعدمه أولى وأحرى بمعنى أنه يمتنع أن يكون له نهاية أو يكون ذا مساحة لا نهاية لها فإنه إذا عقل هذا في موجود مطلق لم يمتنع وصف هذا الموجود بأنه فوق العرش ويكون كذلك، بل يكون هذا أقرب إلى العقل؛ لأن الفطر تقر بأن الله فوق العالم، وتنكر وجود موجود داخل العالم ولا خارجه، فإذا أقررت بوجوده خارج العالم كان أقرب إلى الفطرة والعقل، وإذا جاز أن يقال في هذا إنه لا يتناهى بمعنى أن ذاته لا تقبل الوصف بتناهي المقدار وعدمه، كذلك يقال فيه مع وجوده فوق العرش.

وإذا قال قائل: هذه الفوقية أو هذا العلو فوق العرش لا يعقل أو قال: لا يعقل علو ولا فوقية إلا بمعنى الذهاب في الجهات. قيل له: معرفة الصفة وعقلها فرع على معرفة الموصوف وعقله، فطلبك العلم بكيفية علوه مع أنه لا تعقل حقيقته جمع بين الضدين، وإذا كنت تقر بأنه موجود بل إقرارك بأن ذاته فوق العرش فوقية تناسب ذاته أسهل على العقل من الإقرار بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، بل الإقرار بأنه ليس ذا مساحة مقدار لا ينافي الإقرار بأنه خارج العالم وفوقه كما [ ص: 751 ] يناسب ذاته، ومنافاة الإقرار بوجوده مع كونه لا داخل العالم ولا خارجه أعظم تنافيا.

التالي السابق


الخدمات العلمية