الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الرابع والثلاثون: أنه قال: «لأحرقت كل شيء أدركه بصره» لم يخص بذلك الإنسان العاجز عن مطالعة تلك الكمالات.

الوجه الخامس والثلاثون: أن قوله في الحديث الصحيح: «حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه» قد بينوا السبحات في لغة العرب. قال [ ص: 143 ] الخلال في كتاب السنة: سألت ثعلبا عنها.

وقد رواه ابن بطة في كتاب [ ص: 144 ] الإبانة عن أبي بكر عنه، قال: سألت ثعلبا عن قول [ ص: 145 ] النبي صلى الله عليه وسلم: «لأحرقت سبحات وجهه» فقال: السبحات يعني من ابن آدم الموضع الذي يسجد عليه، وهذا الذي قال ثعلب: معروف، يقول أحدهم: أما ترى إلى سبحات وجهه، يعني إلى نور هذا الموضع، وكأنه -والله أعلم- سمى ذلك سبحات؛ لأن الصلاة تسمى تسبيحا، ويسمون صلاة التطوع سبحة، لغة مشهورة، لأن العبد يجمع فيه بين كمال القول والفعل، وهو حال السجود الذي يكون العبد فيه أقرب ما يكون من ربه، إذ أفضل أقوال الصلاة القراءة، لكن نهي عنها في الركوع والسجود، وأفضل أفعالها السجود وذكره التسبيح، والسبحة ما يسبح به، كما يسمى النظام الذي فيه خرز يسبح به سبحة. وسبحات وجهه: ما يسبح به.

وقال القاضي أبو يعلى: فأما قوله: «كل شيء أدركه بصره من [ ص: 146 ] خلقه» معناه: أن نور وجهه يحرق ما يدركه من خلقه، وذكر قول ثعلب، وهذا يطابق معنى الحديث، حيث أخبر أن حجابه النار أو النور، وأنه لو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه التي حجابها النور أو النار ما أدركه بصره من خلقه، قال: نور سبحاته تحرق ما أدركه بصره من خلقه، وقد تقدم أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود كان إذا روى هذا الحديث عن أبي موسى يقرأ: أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين [النمل: 8]..

التالي السابق


الخدمات العلمية