الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأما قوله: "المانع من رؤية الشيء ما يحدث من المنع" خلاف ما تقدم من أن الحجاب عنده عدم خلق الرؤية، وهذا أمر عدمي لا يحتاج فيه إلى وجود ضد وجودي منع الرؤية، وهذا ظاهر، فإن السمع والبصر أمران وجوديان عنده.

ثم يقال: وإذا قام بالعين مانع من الرؤية، فذلك لا يمنع أن يكون الجسم مانعا، وأن يكون ذلك الجسم المانع الحاجب سببا لهذا العرض المانع، بل ذلك لا يمنع أن يكون باسم [ ص: 157 ] الحجب والمنع أحق، لأنه حدث عنه، والحجب المانع ليس هذا المنع والحجب.

وقوله: "إنما المانع من رؤيته ما يحدثه من المنع" ليس هذا الحصر صحيحا، بل الأجسام الساترة مانعة، وإن قدر أن تكون العين قد حصل فيها مانع كالعمى ألا ترى أن الجفن نفسه جسم، فإذا أطبقه العبد منع العين أن ترى، وإن قام بالعين مانع فالمانع ليس سببا للمنع.

وقوله: "المانع من الرؤية: ما يمنع وجودها، وما يمنع ذلك فهو الذي يضاد وجودها" فيقال له: لفظ التضاد في اللغة أعم من لفظ التضاد في اصطلاح المتكلمين، وبهذه اللغة جاء القرآن، قال الله تعالى: واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا . [مريم: 81-82]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضاد الله في أمره». [ ص: 158 ]

وأما تخصيص الضدين بأنهما العرضان اللذان لا يجتمعان في محل واحد، فهذا عرف اصطلاحي للمتكلمين، وإذا كان التضاد في اللغة أعم من ذلك، بحيث قد يكون الجسم يضاد الجسم ويضاد العرض، لم يجز حمل كلام الله ورسوله [ ص: 159 ] على اصطلاحهم الحادث هذا لو كان الشارع نطق بلفظ الضد، -وإنما جاء بلفظ الحجاب، والحجاب يتضمن المعنى- لكان هذا الذي فعلوه مغلطة نشأت من جهة اشتراك اللفظ، وذلك أنهم قالوا: الحجاب مانع، والمانع من الشيء ما يضاده، وهذا كله صحيح باللغة العربية، وهو مسلم على هذه اللغة.

التالي السابق


الخدمات العلمية