الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الحادي والعشرون: أن الله عز وجل قال في قصة موسى: ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا [الأعراف: 143]. فأخبر سبحانه أنه تجلى للجبل، وأنه لما تجلى له جعله دكا، فتجليه له إما أن يكون مجرد خلق الرؤية فيه، كما يقولون: إن ذلك هو تجليه لسائر من يراه، أو يكون تجليه هو رفع الحجاب حتى ظهر للجبل، فإن كان التجلي هو خلق الرؤية، كان قد أخبر أن الجبل أطاق رؤيته، وأن الجبل رأى الله، وإذا كان كذلك لم [ ص: 132 ] يجب أن يصير دكا إذا ورد عليه ما يعجز عن مقاومته، فإذا كان التجلي ليس هو إلا أن جعل رائيا، فمعلوم أنه يكون قادرا على ما جعل فاعلا له، فلا يكون دكا، ولو كان كذلك لكان العبارة المناسبة أن يقال: فلما رأى الجبل ربه جعله دكا، فلما دل القرآن مع ما ورد به الحديث في تفسير هذه الآية أن التجلي هو ظهوره، وأنه مع ذلك قد لا يطيق المتجلى له رؤيته لعجزه، وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه، علم أنه قد يتجلى لمن يراه ولمن لا يراه، وأن التجلي ليس هو خلق الرؤية فيه عند الاحتجاب، فعلم أن هناك حجابا خارجا عن الإنسان، وأن التجلي يكون برفع كل الحجاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية