قلت: وهذا اللفظ الذي جاء في القرآن في قوله تعالى: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا [الفرقان: 33]. قالوا: أحسن بيانا وتفصيلا، والتفسير البيان والكشف، وهو تفعيل من الفسر وهو كشف ما غطي، قوله تعالى: وأحسن تفسيرا [الفرقان: 33]. فإن المطلوب من الكلام شيئان: أن يكون حقا لا باطلا، فإن الباطل يمقت وإن زخرف، وأن يكون الكلام مبرهنا مبينا، قد قام دليله، وهو التفسير الذي يوضحه تصورا وتصديقا، فبين المراد بالكلام، وبين الدليل على صحته، حتى تبين أنه حق، ولا يحسن أن يقال هنا: وأحسن تأويلا، لأن هذا دل عليه قوله تعالى: بالحق، والتأويل يتعلق بالمعنى المدلول عليه، وأما التفسير فإنه يتعلق بما يدل على المراد.
والذين نظروا في الاشتقاق الأوسط قالوا: ومنه السفر والأسفار، وأسفرت المرأة عن وجهها، وأسفروا بالفجر، والسفر أيضا بياض النهار، والسفرة الكتبة، والسافر الكاتب، والسفر الكتاب، لأنه يبين ويوضح ما فيه من الكلام، ويدل عليه، ومنه قوله تعالى: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة [عبس: 38-39]. قالوا نيرة باد ضوؤها، وسرورها يعلو، [ ص: 280 ] ووجوه يومئذ عليها غبرة [عبس: 40]. قيل: غبار، وقيل: سواد.
قيل هو من العبوس والهم، كما ترى على وجه المهموم والميت والمريض شبه الغبار.
والقترة قيل: هو السواد، قال يعلوها سواد كالدخان، وقيل: القترة هي غبار، والغبرة الأولى هي العبوس، وهذا قول أبي عبيدة، قال القترة هي الغبار، ومنه قوله تعالى: الزجاج: ترهقها قترة [عبس: 41]. ومنه قترة الجيش.
وعلى قول وغيره أنه مأخوذ من الغبار وهو الدخان، والقتار ريح الشواء، وقد قتر اللحم إذا ارتفع قتاره، والقتار أيضا دخان العود، وقترة الجيش شبيهة بهذا، وهذا أصح، فإن القترة أبلغ من الغبرة، قال تعالى: الزجاج ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة [يونس: 26].
قال القترة الغبرة التي معها سواد، وقال الزجاج: أبو عبيدة: هو الغبار. [ ص: 281 ]
والأول قول المفسرين، فعن سواد الوجوه من الكآبة. وعن ابن عباس: عطاء: دخان جهنم. وعن مجاهد.
والمعنى الثاني للتأويل هو الذي جاء به القرآن في غير موضع، كقوله تعالى: ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل [الأعراف: 52-53]. فهذا تأويل منتظر يجيء وله وقت مستقبل لم يجئ بعد.
ومنه أو من تحت أرجلكم [الأنعام: 65]. فقال: «إنها كائنة، ولم يأت [ ص: 282 ] تأويلها بعد». قول النبي صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه قوله تعالى:
ورواه غير واحد، وهو في جزء ابن عرفة المشهور، رواه عنه حدثنا ابن أبي حاتم، الحسن بن عرفة، حدثنا [ ص: 283 ] عن إسماعيل بن عياش، أبي بكر بن أبي مريم، عن عن راشد بن سعد، قال: سعد بن أبي وقاص قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم [ ص: 284 ] [الأنعام: 65]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنها كائنة، ولم تأت بعد». سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية:
وعن العوفي، عن تأويله: (تصديق ما وعدوا به في القرآن). ابن عباس،
وعن تأويله: (عواقبه، مثل وقعة بدر وما وعد فيه من موعد). السدي:
وقال (لا يزال يجيء يوم الحساب). [ ص: 285 ] الربيع بن أنس:
وقال قتادة: هل ينظرون إلا تأويله أي: عاقبته، وعنه أيضا: تأويله ثوابه.
وقال فيما رواه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أصبغ بن الفرج يوم يأتي تأويله قال تحقيقه، وقرأ قوله تعالى: هذا تأويل رؤياي من قبل [يوسف: 100]. قال هذا تحقيقها، وقرأ: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. [ ص: 286 ]
وقال (تأويله الجزاء في الآخرة) رواه معاوية بن قرة: وغيره، ومنه قوله تعالى: ابن أبي حاتم أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله [يونس: 38-39]. فلا عرفوا الخبر ولا المخبر به، وإحاطتهم بعلمه هو معرفة معناه، وتأويله هو ما أخبر بوقوعه من الوعد والوعيد في الدنيا والآخرة، هذا أصح القولين.
وقيل: لما يأتهم علم تأويله.