الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله في السؤال الرابع: " لم قلتم أنه لا بد من تعليله إما بالوجود، وإما بالحدوث؟ وما الدليل على الحصر؟ فإنه يمكن أن يقال: هنا ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يقال: البحث التام والسبر التام والاستقراء [ ص: 358 ] التام قد يفيد اليقين تارة كما يفيد الظن القوي أخرى. وهذا مما يقال: في مواضع. وقول القائل: الشهادة على النفي غير معلومة ليس بصحيح، بل النفي قد يعلم تارة كما يعلم الإثبات.

الثاني: أن يقال: هذا يفيد الاعتقاد القوي والظن الغالب، وهذا فيه إنصاف وعدل، وهو خير من دعوى البراهين القطعية التي تظهر عند التحقيق أنها شبهات وخيالات فاسدة.

ومن قال: لا يجوز أن يحتج في هذا الباب إلا بالقطعي الذي لا يحتمل النقيض، قيل له:

أولا: أنت أول من خالف هذا، فأنت دائما تحتج بما لا يفيد الظن الغالب، فضلا عن اليقين.

وقيل له ثانيا: لا نسلم، بل الواجب على كل إنسان أن يأتي بما هو الحق، فإن كان عنده علم قاطع قال به، وإن كان عنده ظن غالب قال به، والمسائل التي تنازع بنو آدم فيها لأن يحصل للإنسان فيها ظن غالب خير من أن يكون في الحيرة والجهالة، أو يكون في التقليد أو الحجج الفاسدة، كما هو الواقع كثيرا وسنتكلم إن شاء الله على هذا في الكلام على [ ص: 359 ] الأحاديث.

وقيل له: ثالثا: هذا إذا انضم إلى غيره حصل من مجموعها اليقين، وإن لم يكن اليقين حاصلا بأحدهما، كغير ذلك من الأدلة السمعية والعقلية.

الثالث: أن هذا يمكن تقريره بالتقسيم الدائر بين النفي والإثبات، كما قررناه في مسألة الرؤية، وهو أن يقال: المشترك بينهما: إما أن يكون هو الوجود، أو ما هو من لوازمه، أو لا الوجود، ولا شيئا من لوازمه، وما ليس الوجود ولا شيئا من لوازمه يكون أخص من الوجود، لأن ما هو مساو له في العموم والخصوص. وما هو أعم منه لازم له، وأما الأخص منه كالحدوث والإمكان فليس بلازم له، لأن الوجود قد لا يكون ممكنا ولا محدثا، بخلاف الأعم مثل جواز كونه مذكورا ومعلوما فإن ذلك يلزم من انتفائه انتفاء كونه موجودا لأنه أعم منه.

وإن شئت قلت: إما أن يكون هو الوجود أو ما يساويه في العموم والخصوص أو أعم منه أو أخص. فإذا كان أخص منه فإما أن يتناول الوجود الواجب، أو لا يتناوله. فإن تناوله فهو في ذلك كالوجود. وإن لم يتناوله فإنه مستلزم الحدوث، فإن كل [ ص: 360 ] ما لا يدخل في مسمى واجب الوجود فهو محدث. فثبت أن العلة إما أن تكون هي الحدوث أو ما يشترط فيه الحدوث مثل ما هو أخص من الحدوث، وإما أن يكون هو الوجود أو ما يتناول واجب الوجود، وهذا التقسيم دائر بين النفي والإثبات وإليه يرجع حقيقة قولهم: إما الوجود وإما الحدوث.

التالي السابق


الخدمات العلمية