وعارض ذلك بعشرة أوجه: مثل تميز اليمين عن الشمال، وانقسام الجزء الموضوع على جزأين وغير ذلك من الوجوه. ثم قال في الجواب: وأما المعارضات التي ذكروها فاعلم أنا نميل إلى التوقف في هذه المسألة بسبب تعارض الأدلة؛ فإن إمام الحرمين صرح في كتاب "التلخيص في [ ص: 132 ] أصول الفقه" أن هذه المسألة من محارات العقول، وأبو الحسين البصري وهو أحذق المعتزلة توقف فيها، فنحن أيضا نختار الوقف، فإذن لا حاجة إلى الجواب، فهذا قوله [ ص: 133 ] في الانقسام الممكن هو متوقف فيه. وقوله: " ونقول في نفي وحدة الجسم وثبوت الانقسام الحاصل" قد ظهر فساده لكل أحد.
وإذا كان الأمر كذلك أو لو كان العرش لكان عظيما، ولكان منقسما مركبا إلى الأجزاء": قد تبين فساده. وظهر أن قوله: " إذا كان عظيما فلا بد أن يكون أحد جانبيه غير الآخر، ويكون على هذا التقدير ذات الله مركبة من الأجزاء": كلام باطل لم يقرر تركيبا موجودا في الأجسام المشاهدة، ولا أن فيها أجزاء موجودة، بل ادعى فيها ما يضحك عليه الصبيان. فقوله: " لو كان على العرش لكان منقسما مركبا، أو لو كان جسما لكان منقسما مركبا،
وأما قبولها للتجزئة إلى غير غاية فقد توقف فيه. فأكثر ما يبقى معه أن الجسم وإن كان واحدا لكنه يقبل التجزئة إلى حد [ ص: 134 ] محدود، وهذا قول مع أنه يستخف بهذا القول أحيانا، وقد اضطر إلى موافقته، لكن هذا أكثر ما فيه أنه يمكن في الجسم من حيث الجملة أن ينقسم بمعنى أن ذات الجسم من حيث هو جسم لا تكون مانعة من الانقسام، وهذا حق، فإن من الأجسام ما ينقسم حقيقة، فلو كان حقيقة الجسم مانعة من الانقسام لم يصح الانقسام على شيء من الأجسام، لكن هذا لا يثبت له قبول كل جسم للانقسام فضلا أن يكون العلي العظيم الكبير المتعال الذي هو على عرشه العظيم مركبا من الأجزاء كما ادعاه، فإنه إذا كان الجسم واحدا وقبول القسمة لم يثبت إلا لبعض الأجسام لم يلزم أن يكون رب العالمين منقسما ولا قابلا للقسمة، فلا يكون مركبا من الأجزاء: لا الأجزاء الموجودة ولا الأجزاء المقدرة الممكنة. ثم إذا كانوا في الأجسام المشهودة قد اضطربوا أو تحيروا في تركيبها وانقسامها وعدوا ذلك من محارات العقول، كيف يصح منهم الحكم على رب العالمين بمثل هذه الأمور نفيا وإثباتا، وهذا بين ولا حول ولا قوة إلا بالله. الشهرستاني