الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: وأما كلام المؤسس فإنه اتبع فيه أبا المعالي الجويني فإنه غير مذهب الأشعري في كثير من القواعد، ومال إلى قول المعتزلة، فإنه كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم بن الجبائي، وكان قليل المعرفة بمعاني الكتاب والسنة وكلام [ ص: 508 ] السلف والأئمة مع براعته وذكائه في فنه.

قال في الإرشاد، له، ذكره الأنصاري شارحه:

ومما يسأل عنه قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض قال ابن عباس: "هادي أهل السموات والأرض" قال: "ولا يستجيز منتم إلى الإسلام القول بأن نور السموات هو الله، والله تعالى يقول: لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن قال: "والمقصود من إطلاق هذا اللفظ ضرب الأمثال، فهي كذلك على الإجمال وقد نطق بذلك [ ص: 509 ] سياق الآية وذلك قوله: ويضرب الله الأمثال للناس [النور: 35] ولما كان النور يستضاء به / ويهتدى سمي به كما سمي النبي صلى الله عليه وسلم سراجا منيرا، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب، فسمت المطر سماء لنزوله من السماء، فكذلك يحتمل أن يكون سبحانه أطلق هذا الاسم على نفسه وسماه به، لأن النور من خلقه، وكأنه قال: منه نور السموات والأرض، وهو منورهما؛ قال: وأشرقت الأرض بنور ربها [الزمر: 69] أي بنور من ربها، وقال: ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا [الشورى: 52] وفي التفسير: وأشرقت الأرض بنور ربها أي بآثار عدل ربها؛ يعني بحيث ينتصف للمظلومين، وقال تعالى: وجعل الظلمات والنور [الأنعام: 1] وقال: ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [النور: 40] وقال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن شرح الصدور: "نور يقذف في القلب" فثبت أن النور [ ص: 510 ] مجعول مخلوق، والجعل المضاف إلى الله عز وجل لا يكون إلا بمعنى الخلق ونصوص القرآن شاهدة لما ذكرناه: النور هو الهادي، لا يعلم العباد إلا ما علمهم، ولا يدركون إلا ما يسر لهم إدراكه، فالحواس والعقل فطرته وعطيته.

وقال الخطابي: "ولا يجوز أن يتوهم أن الله نور من الأنوار؛ فإن النور تضاده الظلمة وتعاقبه فتزيله، وتعالى الله أن يكون له ضد أو ند".

[ ص: 511 ] قلت: ذكرنا كلام هؤلاء النفاة مع كلام المثبتة؛ فإن أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم، والمرجع بعد ذلك إلى الحجة؛ فإن هذه الأقوال المذكورة عن النفاة يظهر فسادها لمن تدبر ذلك بلا كلفة.

وأما ما ذكروه عن الصحابة فسنتكلم عليه إن شاء الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية