الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الحلف بالقرآن

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما على من حلف بالقرآن فحنث، فروينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: عليه بكل آية منها يمين.

                                                                                                                                                                              8876 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن الأعمش ، عن عبد الله بن مرة، عن أبي كنف، أن ابن مسعود مر برجل وهو يقول: وسورة البقرة، فقال: أتراه مكفرا؟! أما إن عليه بكل آية منها يمينا.

                                                                                                                                                                              8877 - حدثنا علي بن الحسن ، قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن أبي سنان الشيباني ، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن عبد الله بن حنظلة قال: كنت مع عبد الله بن مسعود ، فسمع رجلا يحلف بسورة البقرة، فقال: أتراه مكفرا؟! عليه بكل آية يمين.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبهذا قال الحسن البصري ، وقال أحمد بن حنبل في قول عبد الله: ما أعلم شيئا يدفعه، ومال إلى قول عبد الله.

                                                                                                                                                                              وحدثني علي، قال: قال أبو عبيد : على الحالف بالقرآن يمين مؤكدة، غير أنها لا تكون أكثر من واحدة، ووجه حديث عبد الله أنه جعل الحلف بكتاب الله كالحلف بوجه الله وعظمته، فكذلك جعل عبد الله كتابه مثل [ ص: 99 ] هذه الصفات؛ (لأنه كلامه - جل ثناؤه - قال: وقوله "عليه بكل آية يمين" على انفرادها) لأن حالفا لو حلف بأسماء الله كلها جملة لم يكن عليه إلا يمين واحدة، منها على الانفراد، كانت عليه تلك اليمين بعينها، فكذلك قوله في جملة القرآن، وفي كل آية منفردة.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وحكى ابن الحسن، عن النعمان أنه قال فيمن حلف بالقرآن: ليس عليه كفارة، وحكي عن أهل المدينة مثل ذلك.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : ولم أجد هذه المسألة في كتب المدنيين، وقال يعقوب فيمن حلف بالرحمن فحنث: إن أراد بالرحمن الله فعليه كفارة يمين، فإن أراد سورة الرحمن فحنث فلا كفارة عليه.

                                                                                                                                                                              وكان قتادة يحلف بالمصحف، وقال أحمد بن حنبل : لا أكره ذلك، وكذلك قال إسحاق .

                                                                                                                                                                              وقال بعض أهل العلم، وإذا كانوا يوجبون الكفارة على من حلف بعظمة الله، وعزة الله، وجلال الله، وكبرياء الله فلم لا (أوجبوا) كذلك على الحالف بكلام الله إذا حنث الكفارة، وهو صفة من صفات الله، وما الفرق بين الحالف بالصفات التي ذكرناها وبين الحالف بالقرآن وهو كلام الله؟!

                                                                                                                                                                              ويسألون عمن حلف بوجه الله [ ص: 100 ] فحنث، فإن قالوا: عليه الكفارة إذا حنث - ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم في ذلك خلافا - فكذلك تجب الكفارة على من حلف بصفة من صفاته فحنث.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأصحاب الرأي يحتجون بالمرسل من الحديث، ويقولون به، فقد خالفوا حديث الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك ترك منهم للحديث الذي قد يقولون بمثله، وخالفوا قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم.

                                                                                                                                                                              8878 - حدثنا علي بن الحسن ، قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية يمين صبر، من شاء بر، ومن شاء فجر".

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية