الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر تلقين السارق ما يزال به عنه القطع

                                                                                                                                                                              ثابت عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ادرؤوا الحدود ما استطعتم .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه أتي برجل فسأله: أسرقت؟ قل لا. فقال: لا، فتركه ولم يقطعه .

                                                                                                                                                                              وروي معنى ذلك عن أبي بكر الصديق، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وأبي مسعود .

                                                                                                                                                                              9076 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا، أسرقت؟ [علمي] أنه سمى أبا بكر وعمر، وأخبرني أن عليا أتي بسارقين معهما سرقتهما فخرج فضرب الناس بالدرة حتى تفرقوا عنهما .

                                                                                                                                                                              9077 - حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن الوليد، عن سفيان عن علي بن الأقمر، عن يزيد بن أبي كبشة الشامي (قال) : أتي [ ص: 374 ] أبو الدرداء بجارية قد سرقت؟ يقال لها: سلامة، فقال: يا سلامة، سرقت؟ قولي: لا، قالت: لا، فتركها .

                                                                                                                                                                              9078 - حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي، قال: حدثنا وهيب بن خالد، عن سليمان الأسود، عن أبي المتوكل الناجي قال: أتي أبو هريرة بسارق فقال: أسرقت؟ قل: لا .

                                                                                                                                                                              9079 - حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، أن أبا مسعود أتي بامرأة سرقت جملا فقال: أسرقت؟ قولي: لا .

                                                                                                                                                                              9080 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، أن ابن مسعود قال: ادرؤوا الحدود ما استطعتم .

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل، وإسحاق لا يريان بأسا بتلقين السارق إذا أتي به. وكذلك قال أبو ثور إذا كان السارق امرأة أو من لا يدري ما يصنع به أو ما يقول، وقد احتج بعض من رأى ذلك جائزا بقول [ ص: 375 ] النبي صلى الله عليه وسلم لماعز: "لعلك قبلت أو غمزت؟" قال: لا. قال: فإنما قال ذلك ليدرأ به عنه الحد، وفي أخبار علي بن أبي طالب أنه قال لشراحة: لعل زوجك أتاك، لعلك استكرهت .

                                                                                                                                                                              فكل هذا يدل على درء الحد بالشبهة، وعلى إباحة تلقين السارق والزاني بما يسقط به عنه الحد .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من يخالف هذا المذهب ويرى إقامة الحدود وترك التلقين الذي يسقط به الحد عن من وجب ذلك عليه، بقول الله: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، وبقوله: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) قال: فأمر الله بجلد الزاني وقطع يد السارق، ولا يجوز إسقاط ذلك إذا ثبت .

                                                                                                                                                                              وقال آخر: وليس يخلو التي قال لها أبو مسعود وأبو الدرداء وغيرهما: أسرقت؟ قل لا. من أحد معنيين: إما أن يكون الحد قد وجب ببينة أو بإقرار، والحد إذا وجب لا يجوز إسقاطه، أو لا يكون وجب ذلك ببينة ولا إقرار فهذا حد لم يجب، ويسقط بعد الوجوب .

                                                                                                                                                                              فأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز: "لعلك قبلت أو غمزت" فليس من هذا الباب بسبيل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ارتاب في أمر ماعز وقال: أبه جنة؟ وسأل عنه، وقول علي لشراحة من نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم لماعز .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وأحسن ما قيل في هذا الباب أن تلقين من قد وجب [ ص: 376 ] عليه الحد غير جائز، وتلقين من لم يجب الحد عليه من جهة ستر المسلم على أخيه المسلم حسن، ولعل من روي عنه أنه لقن السارق على هذا المعنى لقنه. والله أعلم .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية