الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اليمين بالحج أو العمرة إلى البيت الحرام

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله فحنث، فقالت طائفة: لا شيء عليه، روينا هذا القول عن سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، ثم قال القاسم للسائل عن المسألة: عندك شيء؟ قال: درهم، قال: تصدق. [ ص: 116 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: عليه كفارة يمين، روينا هذا القول عن الحسن البصري ، وجابر بن زيد ، وطاوس ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء ، وقتادة ، وبه قال الشافعي ، وأحمد، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يأتي بما أوجب على نفسه، روينا هذا القول عن الشعبي ، وبه قال المديني والكوفي.

                                                                                                                                                                              وقال ابن شبرمة: يحرم من يومه.

                                                                                                                                                                              وقال قتادة في رجل [قال] : علي ألف حجة، فحنث، قال: عليه ألف حجة.

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله إن لم يفعل كذا وكذا، فحنث بموضع غير الذي حلف فيه، أنه يرجع إلى المكان الذي حلف فيه، فيمشي منه، ولا يمشي من حيث حنث.

                                                                                                                                                                              وفي كتاب محمد بن الحسن : ولو أن رجلا حلف بالحج أو العمرة، أو جعل لله على نفسه صوما، أو صلاة، أو صدقة، أو اعتكافا، أو عتقا، أو هديا، أو شيئا [مما] هو لله طاعة، فحلف، فحنث، لم يكن عليه كفارة يمين، ولكن عليه في ذلك أن يصنع الذي قال.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف بالمشي إلى بيت الله أو إلى الكعبة، أو إلى المسجد الحرام، أو إلى مكة ، أو إلى الحرم، فحنث، فعليه عمرة ، وإن شاء [حج] حجة، إن شاء مشى، وإن [ ص: 117 ] شاء ركب، ويذبح لركوبه شاة.

                                                                                                                                                                              قال النعمان : إن الكل غير واجب، غير قوله: المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام.

                                                                                                                                                                              وقال يعقوب : وإذا حلف بالمشي إلى بيت الله، وهو ينوي مسجدا من مساجد الله سوى المسجد الحرام، فليس عليه في ذلك شيء؛ لأن المساجد كلها تدخل بغير إحرام، ولا يدخل المسجد الحرام إلا بإحرام.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف الرجل فقال: عليه السفر إلى مكة أو الذهاب أو الركوب إليها، فليس هذا بشيء، وهذا وحلفه بالمشي سواء في القياس، غير أني أخذت في حلفه بالمشي بالاستحسان، ولأنها أيمان الناس.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : زعم أن عليه أن يصنع الذي قاله، ثم قال تداركا منه لقوله: عليه أن يصنع الذي قاله، إن شاء مشى وإن شاء ركب، ويذبح لركوبه شاة، فأسقط عنه المشي الذي أوجب عليه، وأوجب عليه شاة لم يوجبها الله عليه، ولا أوجبها هو على نفسه، ولا نعلم حجة في إلزامه هذا الحالف شاة لم يوجبها هو على نفسه، ولو أتى هذا الحالف مكان ما أوجب على نفسه ببدنة أو بدن لم يجز عنه في مذهبه.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس من قول المرء: علي السفر إلى مكة أو الذهاب إلى مكة ، فرق.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فالذي يجب على من حلف بحجة فحنث فيها كفارة يمين، استدلالا بظاهر قوله: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) وبظاهر الأخبار الثابتة عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه". [ ص: 118 ]

                                                                                                                                                                              8901 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا موسى قال: حدثنا شريك ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن كريب، عن ابن عباس : أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخته نذرت أن تحج ماشية، قال: "لتركب ولتكفر يمينها".

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية