الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر حد [الذي] يعمل عمل قوم لوط

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) . [ ص: 505 ]

                                                                                                                                                                              وقال - جل ذكره - : ( ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) .

                                                                                                                                                                              وقال - جل ذكره - : ( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) .

                                                                                                                                                                              وقد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به". وقد نهى الله - جل ذكره - عن إتيان الفاحشة فقال تعالى: ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) وخبرنا بما [يجب] على الزانية والزاني، وذكر ما عاقب به من أتى عظيم ما نهى الله عنه فقال - جل ثناؤه - : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) .

                                                                                                                                                                              9188 - وروينا عن حذيفة بن اليمان أنه قال: استأذن جبريل عليه السلام فاحتمل الأرض التي كانوا عليها فألوى بها حتى سمع أهل السماء الدنيا صغاء كلابهم ثم أوقد تحتهم نارا ثم قلبها عليهم. حدثناه [ ص: 506 ] عبد الله بن أحمد، حدثنا المقرئ، حدثنا سليمان، عن حميد بن هلال، عن جندب بن حذيفة قال: استأذن جبريل ..

                                                                                                                                                                              وروينا عن قتادة وعكرمة أنهما قالا: لم يبر منها ظالم بعدهم فقد حذر الله - جل ثناؤه - من بعدهم إن فعلوا كفعلهم أن ينزل بهم ما نزل بهم". وجاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه لعن من فعل كفعلهم" .

                                                                                                                                                                              9189 - حدثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، حدثنا أبو عامر العقدي، قال: حدثنا زهير، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" .

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم بعد إجماعهم على تحريم ذلك فيما يجب على من عمل عمل قوم لوط: فقالت طائفة: عليه القتل محصنا كان أو غير محصن .

                                                                                                                                                                              9190 - روينا عن أبي بكر الصديق أنه قال في رجل وجد في بعض ضواحي العرب ينكح كما تنكح المرأة، وقامت عليه بذلك البينة، فكان أشدهم فيه قولا يومئذ علي بن أبي طالب فقال: إن هذا ذنب لم تعص الله به أمة من الأمم إلا أمة واحدة، فصنع بها ما قد علمتم، أرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرقوه بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد: أن حرقه بالنار، ثم حرقهم ابن الزبير في إمارته، [ ص: 507 ] ثم حرقهم هشام بن عبد الملك، ثم حرقهم القسري بالعراق. حدثناه أبو عمرو أحمد بن المبارك، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم المدني، عن داود بن بكر، عن محمد بن المنكدر ويزيد بن خصيفة وصفوان بن سليم، أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح .

                                                                                                                                                                              وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا: يرجم وقال ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية: يرجم .

                                                                                                                                                                              9191 - حدثنا محمد بن علي، حدثنا سعيد، حدثنا هشيم، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن الوليد الهمداني، عن رجل من قومه: أنه شهد عليا رجم لوطيا .

                                                                                                                                                                              9192 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، وحدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، أنه سمع سعيد بن جبير، ومجاهدا يقولان عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية قال: يرجم .

                                                                                                                                                                              9193 - حدثنا موسى بن هارون، حدثنا نصر بن علي، حدثنا غسان بن [ ص: 508 ] مضر، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة قال: سئل ابن عباس ما حد اللوطي؟ قال: ينظر أعلى بنيان في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة .

                                                                                                                                                                              قال جابر بن زيد: عليه الرجم. وبه قال ربيعة الرأي. وقال الشعبي، ومالك بن أنس، وإسحاق بن راهويه: يرجم أحصن أو لم يحصن .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: حده حد الزاني، يرجم إن كان محصنا، ويجلد إن كان بكرا. كذلك قال عطاء، والنخعي، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وقتادة. واختلف فيه عن الزهري: فروى مالك عنه أنه قال كقول الشعبي، وروى معمر عنه أنه قال كقول عطاء، قال: ويغلظ عليه في الحبس والنفي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقول الشافعي كقول عطاء، لأنه قال: ولا يقبل على الزنا واللواط إلا أربعة يقولون: رأينا ذلك [منه يدخل] في ذلك [منها] دخول المرود في المكحلة . [ ص: 509 ]

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور عنه أنه قال: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها، قال: حده حد الزاني. قال: وهذا قول أبي يوسف ومحمد. وقال أبو ثور: حكمه حكم الزاني. وحكي هذا القول عن عثمان البتي والأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يعزر. روي هذا القول عن الحكم قال: يضرب دون الحد عقوبة. وحكي عن النعمان أنه قال: إذا فعل فعل قوم لوط يعزر ويستودع السجن حتى يموت. وفي قول أبي يوسف: من قذف به فحده حد القاذف. وقال أبو حنيفة في القذف به: يعزر .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من أوجب على اللوطي الرجم أحصن أو لم يحصن، بأن اللواط أعظم من الزنا، لأن المرأة التي يزني بها الزاني قد تحل له بنكاح، وهذا لا يحل له بوجه من الوجوه، فلما كان العامل عمل عمل قوم لوط أعظم جرما وجب رجمه أحصن أو لم يحصن، واحتج بعضهم بظاهر حديث ابن عباس، وقد ذكرته بإسناده، قال: والدليل على صحة الحديث أن ابن عباس أفتى به، واحتج بعض من رأى أن حكمه حكم الزنا بأن من عمل عمل قوم لوط أنه أتى فرجا محرما، والزاني أتى فرجا محرما، فالواجب أن يفعل بالذي عمل عمل قوم لوط ما يفعل بالزاني؛ إذ كل واحد منهما أتى فرجا محرما . [ ص: 510 ]

                                                                                                                                                                              واحتج بعض من يحوط قول من أوجب التعزير فقال: قد حكم الله في الزانية والزاني حكما، ولا يقع اسم الزنا على من عمل عمل قوم لوط، وقد اختلفوا فيما يجب عليه إذا فعل ذلك، فالذي يجب أن يوجب على فاعله أقل ما قيل أنه يلزمه وهو التعزير، ويوقف على ما زاد على أقل ما قيل فيه. وقال بعضهم: ذنب هذا أعظم من أن يكون فيه كفارة يوقف عليها .

                                                                                                                                                                              والذي يجب على فاعله التوبة إلى الله والإنابة لأن ما أتى أعظم من أن يكون له كفارة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية