الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر مسائل:

                                                                                                                                                                              واختلفوا في رجل دخل دار قوم فأخذ شاتهم فذبحها وأخرجها، فقالت طائفة: إذا كان قيمة ما أخرج من لحمها ما يقطع فيه اليد قطعت يده. كذلك قال مالك بن أنس وسفيان الثوري والشافعي وأبو ثور، وقال أصحاب الرأي: لا قطع عليه، لأنه ضمن قيمتها حية وصار لحمها له .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول نقول، ونلزم أصحاب الرأي أن لو جاء صاحب الشاة، وأراد أخذ اللحم أن للسارق دفعه عنه، لأنهم قالوا: وصار لحمها له. ويلزمهم أن يقولوا أن [صاحب] الشاة ظالم للسارق، وأن للسارق دفعه عن اللحم الذي زعموا أنه له، وقد عارضهم غيري فألزمهم أن السارق لو دفع عن ذلك وتنازعا فأتي على نفس السارق أنه شهيد داخل في جملة قوله "من قتل دون ماله فهو شهيد" وهذا قول تجزئ حكايته عن الإدخال على قائله حرم الله الأموال فقال: ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) وثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه" .

                                                                                                                                                                              فقائل هذا القول قد عارض الكتاب والسنة بالخلاف وملكه ظالما [ ص: 326 ] سارقا مالا بغير طيب نفس صاحبه ولا بتجارة أباحها الكتاب له، والقول إذا كان خلاف كتاب الله وسنة نبيه وجب هجرانه ولزمه الذم من كل وجه، ومن قول أصحاب الرأي: أن ثوبا لو أخذه سارق وشقه في منزل صاحبه، ثم أخرجه مشقوقا وهو يسوى وقت إخراجه ما يقطع فيه اليد أن عليه القطع، وليس بين الثوب يشق والشاة تذبح فرق؛ إذ ملك رب الشاة والثوب ثابت عليها قبل أن يحدث فيها الحدث، ولا يجوز إزالة ملك من أجمع أهل العلم على ثبوت ملكه قبل أن يحدث السارق ما أحدث فيه بتعدي متعد فعل في مال لا يملكه ما لا يحل له، وليس مع من أزال ملك رب الشاة عن ماله حجة إلا دعواه المغفل. الذي لا حجة معه تثبت دعواه وهو قوله: لأنه قد ضمن قيمتها حية .

                                                                                                                                                                              وكان مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم من أصحابنا يقولون: وعلى مخرج الثوب الذي شقه القطع إذا كانت قيمته عند إخراجه ما يجب في مثله القطع، وإن أخرجه وهو لا يساوي في وقت إخراجه ما تقطع فيه اليد لم يقطع، وعليه ما نقص الثوب، وإذا نقب رجل على رجل نقبا في داره فدخل منه الدار، ثم كابره حتى سرق منه متاعا بالليل يسوى ألف درهم، ففي قول أبي ثور يكون محاربا يحكم عليه حكم المحارب . [ ص: 327 ]

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي وقال أصحاب الرأي: يقطع. قالوا: ولو كابره في طريق الكوفة ليلا أو نهارا حتى أخذ منه ثوبا يساوي مائة درهم لم يقطع. قالوا: وهما في القياس سواء غير أنا نستحسن في هذا فيدرأ عنه الحد . [ ص: 328 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية