الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر وجوب رد المتاع المسروق إلى أهله وتضمين قيمة ما تلف منه

                                                                                                                                                                              أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السارق إذا وجب قطع يده فقطعت ووجد المتاع قائما بعينه، أن رد ذلك يجب على المسروق منه .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في السارق تقطع يده وقد استهلك المتاع، فقالت طائفة: إن كان للشيء المتلف مثل أخذ بمثله، وإن لم يكن له مثل ضمن قيمته، هكذا قال الشافعي، وبه قال أبو ثور: وقال أحمد، وإسحاق: يغرم .

                                                                                                                                                                              وكان النخعي يقول: يضمن السرقة استهلكها أو لم يستهلكها، وعليه القطع. وهو قول حماد بن أبي سليمان، وبه قال الليث بن سعد، وحكي ذلك عن يحيى الأنصاري، وعثمان البتي . [ ص: 357 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إن وجد صاحب المتاع متاعه بعينه أخذه، وإن استهلكه السارق أخذ صاحب المتاع قيمته، إن وجد له مالا يومئذ وأقيم عليه الحد، وإن لم يوجد له مال بطل ذلك عنه ولم يكن دينا عليه يتبع به، هذا قول مالك .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة ثالثة: ليس على السارق غرم بعد أن تقطع يمينه إلا أن يوجد شيء بعينه فيؤخذ منه، هذا قول عطاء، والشعبي، وابن سيرين، ومكحول، وقال سفيان الثوري: قول الشعبي أحب إلي، وقال النعمان وأصحابه: كذلك إن السلعة المسروقة إذا استهلكت، وقد قطعت يده فلا ضمان عليه. وحكي ذلك عن ابن شبرمة. وقال النعمان في الرجل يسرق مرات ثم يؤتى به في آخر مرة: فإنه يقطع ويضمن كل السرقات إلا الآخرة، وقال أبو يوسف: لا أضمنه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وبالقول الأول أقول، لأن الله حرم الأموال في كتابه تحريما عاما مطلقا فقال: ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ) وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الأموال في خطبته بمنى وعرفة فقال: " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" مودعا بذلك أمته. وقد أجمع أهل العلم على تحريم أموال المسلمين إلا من حيث أبيح لهم أخذها. وأجمعوا على أن من [ ص: 358 ] أخذ مالا لأخيه المسلم من غير جهة السرقة من غير طيب نفسه، غرم ما أخذ. وأجمعوا كذلك أن السارق متعد بأخذ مال أخيه المسلم، وأجمعوا كذلك أن عليه رد ما سرق إن كان قائما بعينه قطعت يده أو لم تقطع. وفي هذا دليل على أن معنى القطع غير معنى المال، فإذا افترق معناهما في هذا الوجه ووجب رد الشيء بعينه وقطع اليد عقل أن قطع اليد معنى والمال غيره، وأن ملك مالكه لا يزول عن المال لقطع يد السارق، وإذا كان هكذا فالسارق مستهلك [مال] أخيه المسلم، وعليه الغرم فيما استهلك على سبيل ما ذكرناه، ولا يثبت الحديث الذي روي عن عبد الرحمن بن عوف إذا قطع يد السارق لم يغرم لضعف إسناده، ولأن الحكم الأيلي رواه [و] الحكم عندهم ليس بشيء . [ ص: 359 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية