الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر هبة المشاع

                                                                                                                                                                              أجمع أهل العلم على أن الرجل إذا وهب لرجل دارا أو أرضا أو عبدا على غير عوض، بطيب من نفس المعطي، وقبل الموهوب له ذلك وقبضه بدفع من الواهب ذلك إليه، وحازه، أن الهبة تامة.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يهب من الرجل الشقص من الدار أو العبد.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ذلك جائز، والهبة عندها جائزة وإن لم تكن مقسومة.

                                                                                                                                                                              هذا قول [ ص: 13 ] مالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه .

                                                                                                                                                                              وكان النعمان يقول: إذا وهب الرجل دارا لرجلين أو متاعا، وذلك المتاع مما يقسم وقبضاه جميعا، فإن ذلك لا يجوز، إلا أن يقسم لكل واحد منهما حصته، وإذا وهب اثنان لواحد وقبض فهو جائز.

                                                                                                                                                                              وحكى أبو ثور عن الكوفي أنه قال: لا تجوز الصدقة ولا الهبة ولا النحل ولا العطية فيما ينقسم إلا مقسوما، وما كان لا ينقسم فلا بأس بذلك وهو جائز.

                                                                                                                                                                              قال: وقال مالك، والشافعي : لا بأس بصدقة المشاع، وهبته، ونحله، والعمرى، والعطية، والرهن، والبيع.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : والإجارة.

                                                                                                                                                                              قال مالك: لا تجوز إجارة المشاع.

                                                                                                                                                                              قال ( أبو ثور ) : والذي به نقول أن جميع ما ذكرناه جائز [ ص: 14 ] فيما ينقسم وفيما لا ينقسم، وذلك أن أهل العلم لا اختلاف بينهم أن بيع المشاع جائز، وأن قبضه التخلية بين المشتري وبين الشيء المشاع، فلما أجمعوا على إجازة البيع وعلى تحويل الملك وقبضه مشاعا، وكان المشتري قابضا بالتخلية كان النحل والعطية والصدقة والهبة والرهن والإجارة جائزة قياسا، والله أعلم.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وقد احتج بعض أصحابنا في باب هبة المشاع بحديث عبد الله بن عمرو .

                                                                                                                                                                              8807 - حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين وجاءته وفود هوازن، وذكر بعض الحديث [قال] ثم قال: "أيها الناس، إنه ليس لي من هذا الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس، والخمس مردود فيكم، فردوا الخياط والمخيط؛ فإن الغلول يكون على أهله عارا يوم القيامة، ونارا، وشنارا" فقام رجل في يده [كبة] من شعر فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة بعير لي فقال: "أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك" فقال: أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها. [ ص: 15 ]

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : فكانت حصة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكبة مشاعة غير مقسومة ولم يكن [ليملكه] منها إلا ما يجوز له أن يملكه، فدل ذلك على إباحة هبة المشاع.

                                                                                                                                                                              ومما يدخل في هذا الباب حديث جابر.

                                                                                                                                                                              8808 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال: حدثنا شعبة ، عن محارب بن دثار ، عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من رجل بعيرا فلما أن وزن له رجح له.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وحديث سويد بن قيس في معناه، والرجحان غير مفروز من الثمن الذي وزن له.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية