الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اليمين يحلف بها المرء إلى غير وقت معلوم

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يحلف بالطلاق ليفعلن كذا إلى غير وقت معلوم.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا يطؤها حتى يفعل الذي قال، فأيهما مات لم يرثه صاحبه، روي هذا القول عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، وبه قال أبو عبيد .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إن مات ورثته، وله وطؤها، روي هذا القول عن عطاء بن أبي رباح .

                                                                                                                                                                              وقال إياس بن معاوية : يتوارثان.

                                                                                                                                                                              وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : ترثه إن مات.

                                                                                                                                                                              وقال مالك: إن ماتت امرأته يرثها.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : إنما يقع الحنث بعد الموت، وهذا قول أبي ثور . [قال أبو ثور ] : وإذا حلف ولم يوقت فهو على يمينه حتى يموت، ولا يقع حنث بعد الموت، فإذا مات لم يكن عليه شيء، وهذا النظر، وإن كان إجماع فالإجماع أولى.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: يضرب لها أجل المولي أربعة أشهر، روي هذا القول عن القاسم وسالم ، وكذلك قال مالك ويحيى بن سعيد ، وربيعة ، والأوزاعي .

                                                                                                                                                                              وقال بعضهم: يؤجل سنة، حكي هذا القول عن ابن أشوع.

                                                                                                                                                                              وفيه قول خامس، حكي عن النعمان ، أنه قال: إن قال: أنت طالق ثلاثا إن لم آت البصرة فماتت امرأته قبل أن يأتي البصرة فله الميراث [ ص: 214 ] ولا يضره ألا يأتي البصرة بعد؛ لأن امرأته ماتت قبل أن يحنث، ولو مات قبلها حنث، وكان لها الميراث؛ لأنه فار، ولأن الطلاق إنما وقع عليها قبل أن يموت بقليل فلها الميراث.

                                                                                                                                                                              ولو قال لها: أنت طالق إن لم تأت البصرة أنت، فماتت هي فليس له منها ميراث، وإن مات قبلها فلها الميراث، ولا يضرها أن لا تأتي البصرة .

                                                                                                                                                                              وفيه قول سادس: حكاه أبو عبيد عن بعض أهل النظر، قال: إن أخذ الحالف في التأهب لما حلف عليه، والسعي فيه حين تكلم باليمين؛ حتى يكون متصلا بالبر، وإلا فهو حانث عند الترك كذلك.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : إذا حلف أن يفعل شيئا ولم يحد [لذلك] حدا فهو على يمينه، استدلالا بالذي في خبر المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.

                                                                                                                                                                              8989 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، قال: أخبرني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم يصدق كل واحد منهما صاحبه قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية ... فذكر صدرا من الحديث، قال عمر بن الخطاب : قلت، يعني للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قلت: لا، قال: "فإنك آتيه وتطوف به".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وفي ذلك دليل على أن الحالف ليفعلن شيئا على يمينه لا يحنث إن وقف على الفعل الذي حلف ليفعلنه مدة. [ ص: 215 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية