الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الكفارة في الوفاء باليمين

                                                                                                                                                                              وإذا حلف ليقضين فلانا حقه رأس الهلال، فقالت طائفة: له ليلة ويوم من رأس الشهر، هكذا قال مالك، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا حلف ليقضين فلانا حقه إلى رأس الهلال، أو عند رأس الهلال، أو عند رأس الشهر، أو إلى استهلال الهلال، فمرت الليلة التي يهل فيها الهلال، حنث، وإذا حلف ليقضينه حقه اليوم فله اليوم حتى تغيب الشمس في قول الشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف ليعطينه ماله رأس الشهر، فأعطاه قبل ذلك، أو وهبه له الطالب، أو أبرأه منه حنث، إن لم يكن له نية، هكذا قال الشافعي ، وقال أبو ثور : إن كانت اليمين إنما هي على أن يخرج مما عليه فلا يحنث إذا خرج منه قبل الوقت، وإن كان حلف [ ص: 246 ] أن يعطيه في وقت فأعطاه في غيره حنث، وقال أبو حنيفة ومحمد : لا يحنث، وفي قول أبي يوسف: يحنث، وقال سفيان الثوري : يحنث، فإن مات الطالب والمطلوب لم يحنث في قول أبي ثور وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يعطيه حتى يأذن له فلان، أو لا يكلمه حتى يأذن له فلان، فمات فلان قبل أن يأذن له سقطت اليمين في قول أبي ثور ، وأبي حنيفة، ومحمد ، وقال أبو يوسف: يحنث إذا كلمه أو أعطاه، وإن كان فلان قد مات فهو على يمينه.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف رجل لقاضي لا يرى كذا وكذا إلا رفعه إليه، فمات ذلك القاضي فرأى ذلك الشيء بعد موته، لم يحنث في قول الشافعي ، وأبي ثور ، وحكى ذلك أبو ثور ، عن أبي حنيفة ومحمد ، وحكي عن يعقوب أنه قال: إذا مضى الوقت حنث، وبقول الشافعي نقول.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف بطلاق امرأته ليأتين البصرة ، ولم يوقت وقتا، فمات قبل ذلك لا تطلق في قول أبي ثور ؛ لأنه لم يفرط، ولا كان له وقت يمضي، وقال أصحاب الرأي: يقع الطلاق عليها، وإذا حلف بعتق كل مملوك له ثم حنث، وله عبيد، وإماء ومكاتبون ومدبرون، وأمهات أولاد، عتق جميع هؤلاء في قول الشافعي ، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد ، إلا المكاتبين فإنهم لا يعتقون في قولهم جميعا.

                                                                                                                                                                              وخالفهم أبو ثور ، فقال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، فكأنه رأى اليمين تلزمه.

                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : وفيه قول آخر، [ ص: 247 ] أن عليه كفارة يمين.

                                                                                                                                                                              قال: وهذا قول جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : ابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة .

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يشتري عبدا أو متاعا، أو حلف أن لا يبيع عبدا أو متاعا، فأمر [غيره فباع] العبد أو المتاع، أو أمر أن يشترى ما حلف أن لا يشتريه، فقالت طائفة: يحنث في ذلك كله، كذلك قال مالك، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا أمر غيره فاشتراه، لم يحنث إلا أن يكون نوى أن لا يشتريه ولا يشترى له.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يحنث في المسألتين جميعا.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يتزوج امرأة، فأمر إنسانا فزوجه، حنث في قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه، حنث في قول أبي ثور وأصحاب الرأي، ولا يحنث في قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يهب لفلان هبة، فتصدق عليه بصدقة، فقالت طائفة: [ ص: 248 ] يحنث، وكذلك لو نحله من النحل هبة، وكذلك العمرى. هذا قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا يحنث؛ لأن الصدقة غير الهبة، وكذلك قال أبو ثور ، وقال أصحاب الرأي في النحل والعمرى: إذا قبضه يحنث؛ لأن ذلك هبة.

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية