الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب الشهادات على الزنا

                                                                                                                                                                              قال الله - جل ذكره - : ( لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) ، وقال - جل ذكره - : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون ) فأوجب الله - جل ثناؤه - ألا تثبت الشهادة في الزنا إلا بأربعة شهداء، وجاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى كتاب الله .

                                                                                                                                                                              9228 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن سعدا قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم" .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وممن قال: لا يقبل في الزنا أقل من أربعة شهداء: مالك فيمن تبعه من أهل المدينة، والأوزاعي فيمن وافقه من أهل الشام، وكذلك قال الشافعي وأصحابه، وهو قول النعمان [ ص: 551 ] وأصحابه، ولم يختلف أهل العلم أن الشهادة على الزنا أربعة شهداء لا يقبل أقل منهم .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وأجمع أهل العلم على أن شهادة العدول الأحرار إذا كانوا أربعة شهداء مقبولة في الزنا .

                                                                                                                                                                              واختلفوا في قبول شهادة العبيد إذا تموا أربعة شهداء، وأنا ذاكر اختلافهم فيه في كتاب الشهادات إن شاء الله .

                                                                                                                                                                              واختلف أهل العلم إن جاء الشهود متفرقين، وكانوا أربعة .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إذا جاؤوا متفرقين قبلت شهادتهم، روي - معنى هذا القول - عن الحسن البصري، وبه قال عبد الملك الماجشون، وكان أبو ثور يرى قبول ذلك إذا كان ذلك في مجلس الحاكم يقبل شهادتهم، وكذلك قال عثمان البتي إذا قالوا: معنا رابع وكان رجلا معروفا ومكانا قريبا، وفي كتاب محمد بن الحسن قال: قلت: أرأيت القوم يشهدون على الرجل بالزنا وعلى المرأة فجاؤوا متفرقين واحدا بعد واحد، هل تجيز شهادتهم؟ قال: لا، وأحدهم كلهم. قلت: فإن كان الشهود في مقعد واحد، فلما قاموا إلى القاضي قاموا واحدا بعد واحد هل تجيز شهادتهم؟ قال: نعم. وقد [احتج] بعض من يميل إلى القول الأول بقول الله - جل ذكره - : ( لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء ) قال: فأمر الله بقبول الشهود إذا كانوا أربعة، ولم يذكر اجتماعهم وتفرقهم، ولم يجعل لذلك وقتا، فسواء شهد الشهود مجتمعين [ ص: 552 ] أو متفرقين هم شهود في الحالين جميعا، وشهادتهم جائزة، قال: ولا يخلو قوله: ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) من أحد معنيين: إما أن يكون أراد أربعة شهداء، كيف شهدوا، مجتمعين أو متفرقين، أو يكون أراد أن تكون شهادتهم في وقت واحد وحالة واحدة، لا تتقدم شهادة أحدهم شهادة غيره، فلما أجمعوا على أن الشهادة جائزة وإن تقدم بها لفظ أحد الشهود قبل أصحابه علم أن المراد لو كان هذا لتجمع أهل العلم على غيره، فلما أجمعوا على أن المراد ليس هذا المعنى، ثبت المعنى الآخر، ولا سبيل إلى معرفة معنى ثالث .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية