الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر درء الحد عن الجاهل الذي لا علم له

                                                                                                                                                                              ثابت عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان أنهما قالا: ما الحد إلا على من علمه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا قول عوام أهل العلم، وثبت عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ادرؤوا القتل عن عباد الله ما استطعتم. وقال: ادرؤوا الجلد عن عباد الله .

                                                                                                                                                                              9200 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: أخبرني هشام بن عروة، عن أبيه: أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب حدثه قال: توفي عبد الرحمن بن حاطب، وأعتق من صلى من رقيقه [ ص: 522 ] وصام، وكانت له نوبية قد صلت وصامت وهي عجمية لم تفقه، فلم يرعه إلا حبلها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فزعا فحدثه، فقال عمر: لأنت الرجل لا يأتي بخير فأفزعه ذلك، فأرسل إليها عمر فسألها قال: حبلت؟ قالت: نعم، من مرغوش بدرهمين، وإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه، فصادف عنده عليا، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف فقال: أشيروا علي وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن بن عوف: قد وقع عليها الحد. فقال: أشر علي يا عثمان قال: قد أشار عليك أخواك. قال: أشر علي أنت. قال عثمان: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه، وليس الحد إلا على من علمه، فأمر بها فجلدت مائة وغربها .

                                                                                                                                                                              قال: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه .

                                                                                                                                                                              9201 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن المسيب، قال: (ذكر) الزنا بالشام. فقال رجل: زنيت. قيل: ما تقول؟ قال: وحرمه الله؟! ما علمت أن الله حرمه. فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب، فكتب: إن كان علم أن الله حرمه فحدوه، وإن كان لم يعلم فعلموه، فإن عاد فحدوه .

                                                                                                                                                                              9202 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن المغيرة، عن الهيثم بن بدر، عن حرقوص، قال: أتت امرأة إلى علي فقالت: [ ص: 523 ] إن زوجي زنى بجاريتي فقال: صدقت، هي ومالها لي حل. قال: اذهب ولا تعد. كأنه درأ عنه بالجهالة .

                                                                                                                                                                              9203 - حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود، قال: ادرؤوا القتل عن عباد الله ما استطعتم .

                                                                                                                                                                              9204 - حدثنا يحيى بن محمد، حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله ادرؤوا القتل والجلد عن عباد الله .

                                                                                                                                                                              9205 - حدثني أبو توبة، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: أخبرنا أحمد، عن هشيم، عن أبي بشر عن شبيب أبي روح الشامي قال: كان رجل يواعد أمة له في موضع يأتيها فيه، فعلمت بذلك امرأة فجلست له بذلك المكان، فجاء فأصاب منها وهو لا يعلم أنها ليست بجاريته، فلما فرغ إذا هي ليست بجاريته، فأتى عمر فذكر ذلك له، فأرسل إلى علي فقال له علي: اضرب الرجل حدا في السر، واضرب المرأة حدا في العلانية .

                                                                                                                                                                              قال أحمد بن حنبل: لا أعلم على الرجل حدا، هذا شبهة، يدرأ عنه الحد . [ ص: 524 ]

                                                                                                                                                                              قال إسحاق: كذا قال أحمد، بل أرجو أن يكون له فيما لم يعلم الأجر إذا كان من أهل الصلاح .

                                                                                                                                                                              وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ادرؤوا الحدود ما استطعتم في كل شبهة، فإن الوالي إن أخطأ في العفو خير من أن يتعدى في العقوبة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: كل من حفظت عنه من أهل العلم يدرأ الحد بالشبهة .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف في معنى الشبهة التي يدرأ الحد من أجلها، فقال بعضهم: الشبهة التي يدرأ من أجلها الحد، أن يفعل الرجل الفعل لا يعلمه محرما عليه، كالواطئ فرجا يحسبه حلالا له ولا يعلم تحريمه، وكالشارب للمسكر متأولا يحسبه حلالا له، وكالناكح متعة متأولا يحسب أن ذلك جائز، فكل ما كان في مثل هذا [فالحد] ساقط عن فاعله إذا فعل ما لا يعلمه محرما عليه .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وهذا مذهب، فأما من أسقط الحد عمن نكح أمه وهو عالم بأنها أمه، فهذا بعيد من أبواب الشبهة داخل في أبواب الزنا الذي حرمه الله . [ ص: 525 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية