الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر العفو عن الحدود

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في العفو عن حد القاذف. فقالت طائفة: ليس له أن يعفو، وحد القذف من حقوق الله يقوم به الأئمة، دون المقذوف . [ ص: 602 ]

                                                                                                                                                                              ذكر ابن عون: أنه سأل الحسن عن الرجل يقذف الرجل، أيعفو؟ قال: لا. وحكى كثير بن شنظير: عن الحسن: أنه قال: لا يعفى عن الحدود، قال: فنزل عنها، إلا القاذف .

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: في القاضي يقضي [بالحد] فيقول المقذوف: قد عفوت عنه، هل يدرأ عنه الحد؟ قال: لا، لأن عفوه عنه باطل، لأن هذا حد من حدود الله، قد انتهى إلى الإمام، فليس لصاحبه أن يعفو عنه .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: الحد في القذف من حقوق بني آدم، للمقذوف أن يقوم به، وله أن يعفو عنه، وليس كحد الزنا الذي يقوم به الأئمة غير أن هؤلاء افترقوا فرقتين فقالت فرقة: له أن يعفو عن الحد ما لم يبلغ الإمام. هذا قول مالك بن أنس. وقد اختلف فيه عنه. حكى ابن وهب عن مالك أنه قال: لو قذف رجل رجلا من أمناء الناس فبلغ ذلك الإمام، ثم أراد أن يعفو عن حده. قال مالك: كنت أجلده الحد، ولا أجيز عفوه إلا أن يكون أراد سترا، لا يريد كشفه، وذلك أن يكون الرجل قد جلد حدا فطال ذلك حتى نسي، فإذا قذفه رجل بذلك الحد، وأراد ضربه التمس القاذف، وكشف عن ذلك حتى لا يضرب .

                                                                                                                                                                              وقد حكي عن مالك: أن له أن يعفو، وإن بلغ الإمام . [ ص: 603 ]

                                                                                                                                                                              وقالت فرقة: له أن يعفو وإن بلغ الإمام. هكذا قال الشافعي، وأحمد، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وقد احتج بعض من يوجب الحد للمقذوف دون القاضي، ويجعل له أن يعفو عن القاذف بأن الحد للمقذوف كما القصاص للمجروح، وذلك أن للمقذوف أن يصدق القاذف، فيسقط عنه بذلك الحد وليس كذلك حد الزاني، لأنهم مجمعون أن بإقرار المقذوف يسقط الحد عن القاذف، فدل إجماعهم على ما ذكرنا أن الحد للمقذوف دون السلطان .

                                                                                                                                                                              واحتج من خالف هذا القول فقال: قد أمر الله الحكام بجلد الزاني والقاذف وقطع السارق. وقد أجمعوا أن القائم بإقامة ذلك السلطان، دون التي زنى بها، والمقذوف، والمسروق منه المال، فالجلد الذي أمر الله بإقامته على القاذف واجب لا يجوز إسقاطه إلا بحجة، ولا حجة مع من ادعى إسقاطه .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية