الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              اليمين في الكلام والكتاب والرسول

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا حلف الرجل أن لا يتكلم اليوم فتكلم بالعربية أو بالفارسية، أو بأي لغة تكلم بها، حنث في قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              وإذا حلف أن لا يكلم فلانا فناداه من حيث يسمع الصوت مثله، أو كان نائما فناداه فأيقظه، حنث، وكذلك قال أبو ثور ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : إذا ناداه بحيث يسمع كلامه، حنث وإن لم يسمعه، وإن كلمه حيث لا يسمع كلام أحد كلمه لم يحنث في قول الشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي، وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              وإن مر بقوم فسلم عليهم، وهو فيهم، فقد روي عن الحسن أنه قال: يحنث، قال أبو عبيد : وكذلك قول مالك وأهل الحجاز ، وبه يقول الكوفيون من أهل العراق ، وبه قال أبو عبيد : [ ص: 254 ] أن السلام كلام؛ لأن إماما لو سلم في الركعتين متعمدا كان قاطعا لصلاته كما يقطعها المتكلم، ومما يبين ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الهجرة، وأمر بإفشاء السلام، فقد بين أمره لك بهذا ونهيه عن هذا أنهما متضادان، وأن المسلم على صاحبه ليس بهاجر له.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وكذلك حكى ابن القاسم عن مالك، وقال: علم أنه فيهم أو لم يعلم، إلا أن يحاشيه.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : لا يحنث إلا أن ينويه فيمن يسلم عليه.

                                                                                                                                                                              وحكى الربيع أنه يعرف للشافعي فيما يعلم أنه يحنث إلا أن يعزله بقلبه في أن لا يسلم عليه.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يحلف أن لا يكلم فلانا فكتب إليه، أو أرسل إليه رسولا، فروي عن عطاء أنه قال في الكتاب: لا أراه كلمه، وقال سفيان الثوري في الرسول: ليس بكلام.

                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في الكتاب والرسول: الورع أن يحنث، ولا يبين أن يحنث، وفيه قول ثان وهو أن يحنث في الكتاب، كذلك قال النخعي والحكم، واختلف فيه عن مالك، فحكى ابن القاسم عنه أنه قال: يحنث في الكتاب والرسول، إلا أن يكون له نية على المشافهة، ثم ذكر أنه رجع بعد ذلك فقال: لا ينوي في الكتاب وأراه يحنث، وبه قال ابن القاسم ، وحكى ابن أبي أويس عنه أنه قال: الرسول أهون من الكتاب؛ لأن الكتاب سر لا يعلمه إلا هو وصاحبه، وإذا أرسل إليه [ ص: 255 ] رسولا علم ذلك الرسول.

                                                                                                                                                                              قال ابن القاسم : قال مالك: وإن كتب إليه فأخذ الكتاب قبل أن يصل إلى المحلوف عليه فلا أرى عليه حنثا، قال: هو آخر قوله، وبه قال ابن القاسم ، وكان عبد الملك يقول: إذا حلف أن لا يكلم فلانا، فكتب إليه، حنث، وإذا حلف ليكلمنه فكتب إليه لم يبر.

                                                                                                                                                                              وكان أبو عبيد يقول: العمل عندنا قول عطاء ، مع رأي أهل العراق : أن الكلام سوى الخط وكذلك الإشارة، والأصل في هذا تأويل القرآن، ألا ترى أن الله قال لزكريا ( آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ) وقال في موضع آخر ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) وتفسير الرمز: التنويه بالشفتين، وتفسير الوحي: الخط، وللإشارة يقال: كتب إليهم، ويقال: أشار إليهم، وفي قصة مريم: ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) ثم قال: ( فأشارت إليه ) فصار الإيماء والخط خارجين من معنى المنطق.

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : لا يحنث في الكتاب، وكذلك لو أومأ إليه أو أشار.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : لا يحنث في الكتاب، ولا الرسول، ولا الإيماء، ولا الإشارة. [ ص: 256 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية