الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الزوج والمرأة يهب كل واحد منهما لصاحبه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل والمرأة يهب كل واحد منهما لصاحبه.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ذلك لازم لهما وليس لأحد منهما أن يرجع على صاحبه بشيء، هذا قول عمر بن عبد العزيز ، وإبراهيم النخعي ، وبه قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، والليث بن سعد ، ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي، وقال عطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، وأحمد بن حنبل : إذا وهبت المرأة لزوجها بطيب نفس فليس لها أن ترجع.

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: وهو أن لها أن ترجع فيما أعطته، وليس له أن يرجع فيما أعطاها.

                                                                                                                                                                              هذا قول شريح والشعبي ، وقال الزهري : ما رأينا القضاة [ ص: 33 ] إلا يقيلون المرأة فيما وهبت لزوجها، ولا يقيلون الرجل فيما وهب لامرأته.

                                                                                                                                                                              وقال ابن شبرمة في المرأة تهب لزوجها ثم ترجع قال: تستحلف ما وهبته له بطيب نفسها، ثم يرد إليها مالها.

                                                                                                                                                                              قال: فأما المرأة إذا تركت لزوجها شيئا قبل أن يدخل بها فإنه جائز.

                                                                                                                                                                              8825 - حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن محمد بن [عبيد] الله الثقفي، قال: كتب عمر بن الخطاب : أن النساء عوان عند أزواجهن، وأنهن يعطين أزواجهن رغبة ورهبة، وأيما امرأة أعطت زوجها شيئا فأرادت أن تعتصره فهي أحق به.

                                                                                                                                                                              وكان الشعبي يقول: مسألة الرجل امرأته وعيد، وكان يقول إسحاق بن راهويه في المرأة تهب مهرها لزوجها ثم ندمت: فإن السنة في ذلك إذا وهبت رغبة أو رهبة لم ترد بذلك وجه الله على معنى الصدقة، فلها أن ترجع متى شاءت فإنهن يخدعن، ولا تهب إحداهن إلا طمعا في الرفق بها والتكرمة، أو خوفا من الظلم من الزوج، أو ما أشبهه، وإذا فاتها ذلك كان [لها] الرجوع.

                                                                                                                                                                              وتأمل قوله ( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا ) حتى الممات، قال: كذلك فسر شريح، ومجاهد ، وهو على مذهب عمر بن [ ص: 34 ] الخطاب، ومن اتبعه حيث رأوا الرجوع لها.

                                                                                                                                                                              (قال أبو بكر : وقد روينا عن جماعة أنهم تأولوا الآية على نحو ما تأوله إسحاق ) .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وبالقول الأول أقول؛ استدلالا بظاهر قوله ( إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) وغير جائز أن يعفو عن ما لا معنى له، وعن من لا يثبت لمن عفت عنه ما عفت، وللثابت عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يحل لأحد يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده".

                                                                                                                                                                              ومخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجال، والنساء واحد، إلا أن تدل سنة على خصوصية لبعضهم.

                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما يهب الرجل امرأته، فقالت طائفة: الهبة جائزة، وإن لم تقبضها، كذلك قال الحسن البصري ، وحماد بن أبي سليمان ، وابن أبي ليلى ، وقال إبراهيم النخعي : ليس بينهما حيازة، وكذلك قال قتادة ، وقد روينا عن شريح ومسروق أنهما كانا لا يجيزان صدقة إلا مقبوضة.

                                                                                                                                                                              وقال ابن شبرمة في المرأة يعطيها زوجها شيئا: ليس لها شيء حتى تقبضه.

                                                                                                                                                                              وقول ابن شبرمة أحب إلى سفيان الثوري ، وقال الشعبي : لا تجوز هبة إلا مقبوضة. [ ص: 35 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية