الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اللغو في اليمين

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في اللغو في اليمين، فقالت طائفة: هو قول المرء: لا والله، وبلى والله، روي هذا القول عن ابن عباس وعائشة.

                                                                                                                                                                              8966 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج ، قال: أخبرني عطاء ، أنه جاء عائشة - أم المؤمنين - مع عبيد بن عمير ، وكانت مجاورة في جوف ثبير من نحو منى، فقال عبيد: أي هنتاه ما قول الله ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قالت: هو الرجل يقول: لا والله، وبلى والله.

                                                                                                                                                                              8967 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، [ ص: 174 ] عن عروة، عن عائشة قالت: هم القوم يتدارؤون في الأمر، يقول هذا: لا والله، وبلى والله، وكلا والله، يتدارؤون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم.

                                                                                                                                                                              8968 - حدثنا زكريا قال: حدثنا إسحاق قال: أخبرنا عيسى بن يونس ، ووكيع قالا: حدثنا فضيل بن غزوان، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: اللغو هو: كلا والله، وبلى والله، ولا والله.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : روي هذا القول عن عطاء ، والحسن ، والقاسم بن محمد ، وعكرمة، والشعبي ، وبه قال أبو عبيدة معمر بن المثنى، وكذلك قال الشافعي ، الربيع أخبرني عنه، [وقالت] طائفة: لغو اليمين هو: أن يحلف على الشيء يرى أنه كما حلف عليه ثم لا يكون كذلك، روي هذا القول عن ابن عباس وغيره.

                                                                                                                                                                              8969 - حدثنا زكريا ، قال: حدثنا إسحاق ، قال: أخبرنا يحيى بن آدم ، عن ابن المبارك ، عن الحجاج ، عن الوليد بن العيزار، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: اللغو أن يحلف على شيء يرى أنه كذلك فلا يكون كذلك.

                                                                                                                                                                              روي ذلك عن الحسن، ومجاهد ، وقتادة ، والنخعي ، والكلبي، وسليمان بن يسار، وبه قال مالك، أبو مصعب عنه، وهو قول [ ص: 175 ] الأوزاعي ، وأحمد بن حنبل ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لغو اليمين: تحريمك ما أحل الله لك، فلتدع المعصية، ولا كفارة عليك، فيكون يمينه لغوا لا كفارة فيها.

                                                                                                                                                                              وقال سعيد بن جبير : هو تحريم الحلال، وقال مسروق في اللغو من اليمين: كل يمين في معصية فليس فيه كفارة، ثم قال: لمن يكفر؟! للشيطان!!

                                                                                                                                                                              8970 - وقد روي عن ابن عباس رواية ثالثة وهو أن لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان.

                                                                                                                                                                              حدثناه محمد بن علي ، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا خالد، عن عطاء بن السائب ، عن [وسيم] ، عن طاوس ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: في لغو اليمين كفارة، روي عن إبراهيم أنه قال في قوله: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) قال: هو الرجل يحلف على اليمين يرى أنه حق فلا يجدها كذلك، يكفر عن يمينه.

                                                                                                                                                                              وروي عن ابن عباس في هذا الباب رواية رابعة:

                                                                                                                                                                              8971 - روي عنه أنه قال: ومن اللغو أيضا أن يحلف الرجل على أمر لا يألو فيه الصدق، وقد أخطأ في يمينه، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم [ ص: 176 ] عليه.

                                                                                                                                                                              حدثناه علان قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وأكثر أهل العلم على أن لا كفارة في اليمينين اللتين بدأنا بذكرهما وهو:

                                                                                                                                                                              قول الرجل: لا والله، وبلى والله، غير معتقد بذلك يمينا.

                                                                                                                                                                              والأخرى: حلف الرجل على الشيء يرى أنه حلف عليه، ثم لا يكون كذلك.

                                                                                                                                                                              وقال قائل: من قطع القول بأنه فاعل في المستقبل شيئا في يمين وغير يمين ولم يستثن فقد عصى الله، إن الله نهى أن يقول أحد لشيء في المستقبل أنه فاعله إلا أن يستثني، قال الله: ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ) فمن زعم أنه فاعل ما لا علم له بأنه يفعله، ولا يدري أيمكنه فعل ذلك أم لا، فقد أتى ما نهي عنه إذا لم يستثن.

                                                                                                                                                                              ثم إذا حنث في نهيه فترك ما قد حلف أنه سيفعله متعمدا لذلك ذاكرا ليمينه فقد عصى معصية أخرى، أو كذب في قوله وأخلف وعده؛ إذ فعل ما قد قطع القول بأنه لا يفعله، أو ترك فعل ما قد قطع القول بأنه سيفعله، هذا إذا لم يكن يمينه في معصيته، ولم يكن فعل ما قد قطع القول بأنه لا يفعله طاعة لله، مأمورا بفعلها أو مندوبا إلى فعلها، فجعل الله الكفارة التي أوجبها عليه مكفرة (للإثم) الذي دخل عليه في حالفه، يقول: ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) . [ ص: 177 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية