الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر وجوب الصداق للمستكرهة

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في وجوب الصداق للمستكرهة. فقالت طائفة: لها الصداق كذلك قال عطاء. قال: لها صداق نسائها، وكذلك قال الزهري، وقال الحسن: عليه الحد والعقر . [ ص: 529 ]

                                                                                                                                                                              وممن قال إن لها الصداق: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا أقيم الحد بطل الصداق، روي هذا القول عن الشعبي. وقال أصحاب الرأي: الحد والصداق لا يجتمعان. وحكي عن النعمان أنه قال في الصبي يزني بالمرأة مطاوعة أو المجنون يزني بالمرأة مطاوعة قال: لا حد على واحد منهم، وقال في رجل صحيح زنى بجارية يجامع مثلها أو مجنونة قال: يضرب الرجل الحد ولا تضرب هي .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حرم الله الزنا في كتابه على الرجال والنساء، فإذا زنى الرجل بالمرأة البالغ فطاوعته، فعليهما جميعا الحد إذا كانا عالمين بأن الله حرم الزنا، فإن كانت المرأة مستكرهة، بالغة كانت، أو صبية، أو مغلوبة على عقلها صغيرة أو كبيرة فعلى الرجل الحد، ولا حد على المستكرهة، ولا على الصبية التي لم تبلغ، ولا المغلوب على عقلها، وإنما أوجبنا على الرجل الحد بظاهر قوله: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) والحد ساقط عن المستكرهة، لأنها غير قاصدة الزنا، ولا مختارة للفعل، والصبية، والمغلوب على عقلها ممن لم يخاطب [ ص: 530 ] بالنهي .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان في الصبي يزني بالمرأة مطاوعة، أو المجنون يزني بالمرأة مطاوعة: لا حد على واحد منهم، وعلته في ذلك أن الحد لما سقط عن الصبي والمجنون سقط عن المرأة، لأنه حد واحد ثم نقض هذه بعينه، فقال: إذا زنى الرجل بمستكرهة، أو مجنونة، أو صبية يجامع مثلها أن عليه الحد، وهذا حد واحد، والأول حد واحد، فإن كانت العلة التي من أجلها وجب على الرجل الذي زنى بالمستكرهة الحد بقصده إلى الزنا، فهذه العلة موجودة في المرأة يجامعها المجنون والصبي الذي يطأ مثله، لقصدها إلى الزنا. وإن كانت العلة التي من أجلها سقط عن المرأة التي طاوعت صبيا، أو مجنونا حتى أتاها، أن الحد متى سقط عن أحدهما وجب إسقاطه عن الآخر فقد ناقض، حيث أوجب على الرجل الذي زنى بالمستكرهة الحد، لأن الذي كان يلزم على هذا المثال إن سقط الحد عن الرجل الذي زنى بالمستكرهة لسقوط الحد عنها، وفي إيجابه الحد على الذي استكره المرأة، وإسقاطه الحد عن المرأة المستكرهة، ما يوجب الحد على التي أمكنت من نفسها من مجنون وطئها أو من صبي مثله يطأ حتى وطئها وليس يعتل (معتل) في إحدى هذه المسائل بعلة إلا اعتل عليه في الأخرى بمثل تلك العلة، وفي حكاية هذه المسائل كفاية عن الإدخال على قائلها، أنه [ ... ] سواء اختيار المفرق بين أجوباتها . [ ص: 531 ]

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الحسن البصري أنه قال: إذا فجر بالجارية الصغيرة جلد الحد ودرئ عن الصغيرة، وإذا زنى الغلام الذي لم يحتلم بالمرأة أقيم على المرأة الحد ولم يقم على الغلام حتى يحتلم .

                                                                                                                                                                              وقال الزهري: يقام الحد على الكبير وليس على الصغير حد، وقال سفيان الثوري: إذا فجر الكبير بالصغيرة أقيم عليه الحد ولم يقم عليها. وكان الشافعي يقول: إذا زنى الكبير بالصغيرة التي يجامع مثلها فعلى الكبير الحد، وإذا حملت المرأة على نفسها غلاما مراهقا يطأ مثله وجب عليها ولا يجب ذلك عليه، وكذلك إن حملت مجنونا بالغا على نفسها وجب عليها الحد، وممن حكي عنه أن على الكبير الذي يجامع الصغيرة الحد: ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وحكي ذلك عن البتي .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية