الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يزني بذات محرم منه

                                                                                                                                                                              9198 - أخبرنا أبو منصور محمد بن زريق البلدي، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، قال: حدثنا سلمة بن شبيب، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء قال: لقيت عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أضرب عنقه وآخذ ماله . [ ص: 517 ]

                                                                                                                                                                              9199 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الأشعث، عن عدي بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن أبيه قال: لقيت عمي ومعه راية، فقلت: أين تريد؟ فقال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أقتله .

                                                                                                                                                                              وقد اختلف أهل العلم فيما يجب على من زنى بذات محرم منه: فروي عن جابر بن زيد أنه قال: ضربة عنق، وقيل لأحمد بن حنبل: سئل سفيان الثوري عن رجل تزوج أمه أو أخته أو ذات محرم له منه أترى عليه حدا؟ قال: ما أرى عليه حدا إذا كان تزويج وشهود، [ويعزر] .

                                                                                                                                                                              قال أحمد في كل ذات محرم: يقتل ويؤخذ ماله على حديث عدي بن ثابت إلا أن يكون يرى أن ذلك مباح له يدرأ عنه القتل ويجلد. قلت: فالمرأة التي تزوج بها إذا كانت من ذوات محرم؟ قال: كلاهما في معنى واحد، أي تقتل أيضا. قال إسحاق: هو كما قال، إلا أخذ المال، فإن ذلك فيمن عرس بامرأة أبيه .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: أن عليه الحد. هكذا قال الحسن البصري، وبه قال [ ص: 518 ] مالك، والشافعي، وأبو ثور .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثالث: قاله الثوري قال فيمن تزوج أمه أو أخته أو ذات محرم له قال: ما أرى عليه حدا إذا كان تزويج وشهود. ويعزر. وقال النعمان فيمن تزوج ذات محرم منه فدخل بها ووطئها وهو عالم أنها عليه حرام قال: يعزره الإمام، ولا يبلغ به أربعين سوطا. وقال أبو يوسف ومحمد: أما نحن فنرى عليه الحد إذا فعل ذلك بذات محرم منه منعها .

                                                                                                                                                                              وحكى آخر عن النعمان في رجل قال لأمه: إن الله قد حرم الزنا وأعلم أنك لا تحلين لي، ثم تزوجها فأولدها، أن الولد لاحق به، ولا حد عليه، ويفرق بينهما ويعاقبان .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: حرم الله الأمهات والأخوات وسائر من ذكر معهما في كتابه، فالواطئ أمه زان، عليه ما على الزاني، والأم لا تحل بنكاح ولا بغير نكاح، وفرجها محظور على الابن بعد النكاح كهو قبل النكاح، لا يزيل عقدة النكاح عليها شيئا من التحريم، ولا تحل له في حال من الأحوال بنكاح ولا غيره، والذي يوجب حد الزنا أن يطأ الرجل فرجا محرما عليه في حال الوطء، وإن كانت تحل بنكاح في حال من الأحوال فالواطئ أمه وهي لا تحل له في حال من الأحوال وفرجها محرم عليه على الجهات كلها أولى بإلزام الحد، ولو قال [ ص: 519 ] قائل: يقتل من أتى ذات محرم منه لا يحل له نكاحها على الأبد، كان قولا غير مدفوع استدلالا بحديث البراء، لأن نكاح امرأة الأب حرام على الابن على الأبد يعقد الأب عليها النكاح، وذوات المحارم محرمات على الأبد على أن ذوات المحارم أعظم حرمة، لأن أم الرجل وابنته وأخته لم يكن قط في حال من الأحوال مباح النكاح وامرأة الأب إذا كان الأب نكحها بعد ولادة الابن، قد كان مباح للابن عقد النكاح عليها قبل يعقد عليها الأب النكاح فهي أعظم حرمة من امرأة الأب .

                                                                                                                                                                              وقد دفع بعض الناس حديث البراء وقال: إنما ذلك قبل نزول الحدود، واستدل في ذلك بإيجاب الله - جل ذكره - على الزانية والزاني ما أوجبه في سورة النور، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم الثيب الزاني أمرا عاما، قال: والسنة غير جائز أن تنسخ الكتاب، فلا معنى لإيجاب القتل على البكر الزاني؛ إذ الكتاب يدل على أن الذي يجب على البكر الزاني مائة جلدة .

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية