الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              جماع أبواب ما لا يجب فيه القطع

                                                                                                                                                                              ذكر الرجل يستعير المتاع ويجحده

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المرء يستعير ما يجب في مثله القطع ثم يجحده، فقالت طائفة: لا قطع عليه. كذلك قال مالك بن أنس فيمن تبعه من أهل المدينة، وهكذا قال سفيان الثوري والنعمان فيمن وافقهما من أهل الكوفة ، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو قول عوام أهل الفتيا من علماء الأمصار، وقال عطاء فيمن استعار متاعا كاذبا عن في إنسان فكتمه، قال: لا يقطع، زعموا. وقالت طائفة: عليه القطع. هكذا قال إسحاق، وقال أحمد كذلك: لا أعلم شيئا يدفعه، يعني حديث عائشة .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: وحجتهما في ذلك حديث عائشة:

                                                                                                                                                                              9031 - حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن عروة، عن عائشة قالت: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، فأتى أهلها أسامة فكلموه، فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " (يا) أسامة، ألا أراك تكلم في حد من حدود الله". ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: "إنما أهلك من [ ص: 319 ] كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"، فقطع يد المخزومية .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: فظاهر هذا الحديث يدل على أن الذي أوجب القطع أنها كانت تستعير المتاع وتجحد. واحتج غيرهما بأن الليث بن سعد وغيره رووا هذا الحديث فذكروا في الحديث أن المخزومية سرقت:

                                                                                                                                                                              9032 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن قريشا همهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة، فقال عليه السلام: "أتشفع في حد من حدود الله". ثم قام فخطب فقال: إنما "هلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" .

                                                                                                                                                                              وقد روى هذا الحديث يونس وأيوب بن موسى عن الزهري على هذا المعنى فقال بعض من يميل إلى هذا القول: قد قال من ذكرنا: "سرقت" وإذا اختلفت الأخبار وجب الرجوع إلى النظر، ووجب رد ما اختلف فيه إلى كتاب الله، وإنما أوجب الله القطع على السارق ولا يستحق المستعير هذا الاسم، ولم يقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها إلا حين سرقت، والله أعلم. وقد [ ص: 320 ] يجوز أن تكون كانت تستعير المتاع وتجحده ثم سرقت فوجب قطع يدها للسرقة، لا لأنها كانت تستعير المتاع وتجحده .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: هكذا أقول . [ ص: 321 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية