الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              باب ذكر الهبة على الثواب واختلاف الناس فيها

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في المرء يهب هبة يريد الثواب، فقالت طائفة: هي رد على صاحبها أو يثاب منها.

                                                                                                                                                                              8838 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال: قال عمر بن الخطاب : من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها أو يثاب عليها، ومن أعطى في حق أو قرابة أخذنا عطيته.

                                                                                                                                                                              8839 - حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر قال: من وهب هبة لغير ذي رحم فالواهب أحق بهبته، إن شاء رجع ما لم يثب منها.

                                                                                                                                                                              8840 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري، عن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن أبزى، عن علي قال: من وهب هبة لذي رحم فلم يثب منها فهو أحق بهبته.

                                                                                                                                                                              8841 - حدثنا موسى، قال: حدثنا أبو بكر ، قال: حدثنا [ ص: 50 ] عبد الرحمن بن مهدي ، عن معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الله بن عامر قال: كنت جالسا عند فضالة ، فأتاه رجلان يختصمان في باز، فقال أحدهما: وهبت له بازي؛ رجاء أن يثيبني فأخذ بازي، ولم يثبني ولا تعرضت له، فقال: ترد عليه بازه أو أثبه منه، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام.

                                                                                                                                                                              وكان مالك بن أنس يقول في الذي وهبت له الهبة للثواب قال: الهبة للثواب عندي بمنزلة البيع، يمنع الذي وهبت له من البيع والهبة والصدقة حتى يؤدي الثواب، وإن فاتت مما لا يستطاع ردها، فهو دين عليه، وهو أحق بها من الغرماء إذا وجدها بعينها بمنزلة بيع، فإن كانت وليدة فأعتقها الموهوبة له أو ماتت عنده أو أجلها فإنه لا سبيل إلى ردها، وإن لصاحبها الذي وهبها له قيمتها من الثمن يوم وهبها له، وإن زادت في حسنها أو في ثمنها بتغير سوق، فزاد في ثمنها، فسأل الموهوبة له أن يعطي الواهب له قيمتها يوم وهبها، ويمسكها فإن ذلك له، وإن شاء أن يردها ردها.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : سمعنا أن الثواب لا يكون حتى يسمي حين يعطي، يقول: هذا أعطيتكه من هبتي الذي وهبت لي، فإذا قال ذلك فلا رجوع، وإذا أعطاه من غير أن يقول: ذلك ثواب ، رجع إن شاء ما لم يستهلك، وقال سفيان في الهبة تزيد أو تنقص قال: إن زاد فهو استهلاك، وإن نقص رجع إن شاء.

                                                                                                                                                                              قيل له: إن وهبت أمة أو بهيمة فولدت عند الموهوب له؟ قال: يرجع فيها ولا يرجع في أولادها. [ ص: 51 ]

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا تجوز الهبة على ثواب لا يسميه عند الهبة.

                                                                                                                                                                              حكى أبو ثور هذا القول عن الشافعي ، قال: وقال أبو عبد الله: إذا وهب الرجل هبة على عوض ولم يسم شيئا فلا يجوز، فإن عوضه شيئا وتراضوا به جاز ذلك، فإن استهلك الهبة كان عليه قيمتها.

                                                                                                                                                                              وحكى الربيع عن الشافعي أنه قال: إن اشترط الثواب في عقد الهبة فجائز، فإن لم يشترط فلا ثواب له.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: إذا وهب الرجل للرجل عبدا على أن يعوضه شيئا معلوما فهذا بمنزلة البيع، فإن أراد أحدهما أن يمنع صاحبه الشيء الذي وقع عليه العوض أو البيع كان له، وإن تقابضا فليس لواحد منهما أن يرجع على صاحبه بشيء، وإن وجد أحدهما بما صار إليه عيبا كان له أن يرجع به على صاحبه كما يرجع في البيوع، وقال أبو ثور بمثل قول الشافعي .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال: من أعطى ذا قرابة عطية فهي له، ومن أعطى رجاء ثوابها فلم [يثب] منها فرآها بعينها فهي له، فإن أثيب منها فرضي بالثواب لم يكن له أن يرجع فيها. [ ص: 52 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية