الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر أبواب نفي الرجل من أبيه ومن قبيلته

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في الرجل يقول للرجل من العرب: يا نبطي، أو يقول: لست من بني فلان .

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: لا حد عليه. كذلك قال الشعبي، وحماد بن أبي سليمان. وروي ذلك عن النخعي، وقد اختلف فيه عنه، وعن حماد .

                                                                                                                                                                              وقال النعمان: لا حد عليه .

                                                                                                                                                                              وكان الزهري يقول: إذا قال للرجل من العرب يا نبطي فعليه الحد .

                                                                                                                                                                              وحكي ذلك عن ابن أبي ليلى، وابن شبرمة .

                                                                                                                                                                              وقال مالك بن أنس: من قال لرجل من العرب أو الموالي يا ابن النبطي أو يا ابن الحداد، وما أشبهه: أن عليه الحد، إن كان أبوه لم يعمل شيئا من تلك الأعمال .

                                                                                                                                                                              وكان الشافعي يقول: إذا قال الرجل لرجل من العرب يا نبطي وقفته، فإن قال: عنيت نبطي الدار، أو نبطي اللسان، أحلفته بالله ما أراد أن ينفيه. فإن حلف نهيته عن أن يقول ذلك القول، وأدبته على الأذى، فإن أبى أن يحلف، أحلفت المقول له لقد أراد نفيك، فإذا حلف: سألت القائل عمن نفى، فإن قال: لا ما نفيته، ولا قلت ما قال. جعلت القذف واقعا على أم المقول، فإن كانت حرة مسلمة [ ص: 579 ] حددته إن طلبت الحد، وإن عفت فلا حد له، وإن قال: عنيت به الأب الجاهلي أحلفته ما عنى به أحدا من أهل الإسلام، وعزرته، ولم أحده. وإن قال: لست من بني فلان لجده، ثم قال: إنما عنيت لست من بنيه لصلبه، إنما أنت من بني بنيه لم أقبل ذلك منه، وجعلته قاذفا لأمه، فإن طلبت الحد - وهي حرة - كان لها ذلك، إلا أن يقول: نفيت الجد الأعلى الذي هو جاهلي فأعزره، ولا أحده، لأن القذف وقع على مشركة .

                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور: إذا قال الرجل للرجل لست من بني فلان لقبيلته، فإن كان أراد النفي حد، وإن كان أراد لست لفلان لصلبه فلا حد عليه. وقال في موضع آخر: لا يحد، لأنه يحتمل أن يكون أراد النفي، ويحتمل أن يكون أراد لست بابنه لصلبه .

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن الشعبي أنه قال: إذا قال الرجل للرجل: يا نبطي فليس بشيء يقول: يا نبطي الخلق. وإذا قال: أنت من النبط جلد إلا أن يكون كذلك .

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: قول الشافعي حسن، فإذا نفى الرجل الرجل من أبيه، فقال: لست ابن فلان، وأمه حرة مسلمة فعليه الحد. وهذا على مذهب الشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي .

                                                                                                                                                                              وكان مالك يقول فيمن نفي من نسبه: إن كانت أم الذي نفي من [ ص: 580 ] نسبه مملوكة، أن على من نفاه الحد إذا كان نسبه معروفا، إنما يكون الحد في أمرين في رمي المحصنات، ونفي الرجل من نسبه، فأما غير هذين، ففيه النكال على قدر ما يرى الإمام فيما آذى به الرجل المسلم .

                                                                                                                                                                              وقيل لأحمد بن حنبل: قال إبراهيم في الرجل يقول للرجل العربي - وأمه أمة أو يهودية - لست لأبيك، لا يضرب؟ قال أحمد: أي نفي أعظم من ذا؟! يضرب هذا أشد الضرب. وكذلك قال إسحاق . [ ص: 581 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية