الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              مسائل:

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وإذا وهب المسلم للذمي أو وهب الذمي للمسلم ما يجوز أن يملكه المسلم، وقبض الموهوب له الهبة، وكان الشيء مفروزا، معلوما، فالهبة جائزة في قول مالك والشافعي ، والكوفي، وأبي ثور ، قال ابن القاسم : قال مالك: إذا كان بين المسلم والذمي أمر حكم عليه بحكم الإسلام. [ ص: 54 ]

                                                                                                                                                                              وإذا وهب رجل لرجلين دارا، قبضاها، فالهبة جائزة.

                                                                                                                                                                              وكذلك لو وهب رجلان لرجل دارا، فقبضها، وهذا على قول مالك والشافعي .

                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان: في الرجل يهب الدار لرجلين ويدفعها إليهما من غير قسم، أن الهبة غير جائزة، هذا قول النعمان ، وقال يعقوب ومحمد : هو جائز.

                                                                                                                                                                              وإن وهب رجل لرجلين مائة درهم، أو مائة دينار، أو مائة شاة، ودفع ذلك إليهما وقبضاها، لم يجز في قولالنعمان ، وهو جائز في قول مالك، والشافعي ، وأبي ثور ، ويعقوب ، ومحمد .

                                                                                                                                                                              وإذا وهب المكاتب هبة بغير إذن مولاه لم تجز في قول الشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي، وكذلك هبة العبد وأم الولد.

                                                                                                                                                                              وإذا وهب رجل لرجل ما على ظهور غنمه من الصوف، أو ما في ضروعها من اللبن، لم يجز في قول أبي ثور وأصحاب الرأي، فإن أمره بجز الصوف أو حلب اللبن، وقبض ذلك، ففي قول أصحاب الرأي جائز، قالوا: يستحسن ذلك، ويدفع القياس فيه. [ ص: 55 ]

                                                                                                                                                                              وإذا وهب العبد المأذون له في التجارة هبة لم تجز في قول الشافعي ، وأبي ثور ، وإن أجاز ذلك لسيد لم تجز.

                                                                                                                                                                              وقال أصحاب الرأي: لا تجوز هبته، فإن أجاز ذلك السيد جاز إن لم يكن عليه دين، وإن كان عليه دين لم تجز.

                                                                                                                                                                              وإذا وهب الرجل لرجل ما لم يخلق، مثل أن يهب له ما يخرج نخله أو شجره، أو ما في بطن أمته، أو ما تنتج ماشيته، وما أشبه ذلك مما لم يكن فهو غير جائز في قول الشافعي ، وأبي ثور والكوفي، وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              واختلفوا في الرجل يهب الجارية للرجل ويستثني ما في بطنها، ويقبضه الجارية.

                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: ذلك جائز، والولد للواهب، والجارية للموهوب له، هذا قول أبي ثور ، وقد ثبت أن ابن عمر أعتق جارية، واستثنى ما في بطنها.

                                                                                                                                                                              8842 - حدثنا موسى بن هارون ، قال: حدثنا أحمد بن منيع، قال: حدثنا عباد بن عباد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه أعتق غلاما له وامرأته واستثنى ما في بطنها. [ ص: 56 ]

                                                                                                                                                                              وهذا قول النخعي ، وبه قال أحمد وإسحاق في البيع والعتق، وبه قال أبو ثور ، وقال أصحاب الرأي في الهبة: الهبة جائزة، وما في بطنها للموهوب له، والاستثناء باطل.

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر : وليس للرجل أن يهب من مال ولده شيئا في قول الشافعي ، وأبي ثور ، والكوفي، وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              وإذا وهب الرجل عبدا مأذونا له في التجارة وعليه دين من رجل فالهبة جائزة في قول الشافعي وأبي ثور ، وحكاه أبو ثور عن مالك، ولا تجوز الهبة في قول أصحاب الرأي، والدين عندهم في رقبة العبد على حاله يباع لهم إلا أن يؤدي عنه مولى الذي هو في يديه.

                                                                                                                                                                              وإذا وهب الرجل للرجل دهن سمسمه هذا قبل أن يعصر، أو زيت زيتونه كذلك، أو دقيق حنطة، فالهبة باطلة في قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي، وهذا على مذهب الشافعي ، وبه نقول.

                                                                                                                                                                              وإذا وهب الرجل لرجل دارا وأقبضه الدار، واستحق نصفها، قال: نصف الذي لم يستحق جائز في قول أبي ثور ، وكذلك نقول.

                                                                                                                                                                              ولا يجوز في قول النعمان ؛ لأنه لو وهب له نصف دار غير مقسومة لم تجز.

                                                                                                                                                                              وقال سفيان الثوري : ولا رجوع في هبة إلا عند [قاض] . [ ص: 57 ]

                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي ليلى : يرجع دون القاضي.

                                                                                                                                                                              وقال إسحاق بن راهويه : الرجوع في الهبة جائز عند غير [قاض] إنما يحتاج إلى القاضي إذا تشاحا ولم ينصف أحدهما صاحبه، فأما اللازم له إذا رجع أن يردها عليه.

                                                                                                                                                                              وفي قول الشافعي وأبي ثور : ليس له أن يرجع فيما وهب ، وصحت الهبة، إلا الوالد فيما يهب لولده، وإذا رجع الوالد فيما وهب ولده، فرجوعه جائز بحضرة [قاض] ، وبغير حضرته. [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية