الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: وهذا لا يمنع من التقسيم، فإن وصفه بالنهاية وعدمها فيه ما هو معروف في موضعه، وهو لا يريد بسلبها أن ذاته لا تتناهى، إنما يريد أنها بحيث لا يقال فيها هي متناهية أو [ ص: 372 ] ليست متناهية، فهي عنده لا تقبل أحدا من الوصفين، كما لا تقبل الوصف بالمحايثة والمباينة والدخول والخروج ونحو ذلك. والخلو عن هذين الوصفين فرع إمكان ذلك أو ثبوته، فلا يجعل دليلا على ما يقتضي وجوده؛ إذا الشيء لا يكون دليلا على نفسه إذا كان مطلوبا بالدليل، فكيف تكون دعوى الإمكان والثبوت دليلا على وجود الشيء قبل العلم بوجوده؟ !

وأيضا- فقوله (لا تتطرق إليه الأوهام، ولا تجول فيه الأفكار ) إن أراد به لا تحيط به ولا تدركه فهذا حق. وإن أراد به لا تثبته ولا تقر به فهذا باطل.

وأيضا: فعدم التناهي وعدم تطرق الأوهام والأفكار لا يمنع صحة التقسيم، كما إذا قلنا: الموجود إما قديم وإما حادث، والموجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره، وإما خالق وإما مخلوق. وقد قال "أولا" في أقسام الموجودات: (تنقسم قسمين: موجود لا افتتاح لوجوده وهو القديم سبحانه [ ص: 373 ] وصفاته، وموجود لوجوده افتتاح وهو الحادث ) قال: (وهذه قسمة بديهية مستندة إلى إثبات ونفي )؛ لأن الموجود إما أن يكون له أول، وإما أن لا يكون له أول. فإذا كان قد أدخله في تقسيم الموجود إلى قديم ومحدث، فكذلك يجب أن يدخله في قسمة الموجود إلى مستقل ومفتقر؛ بل هذا التقسيم أبين وأوضح، والعقلاء متفقون عليه؛ فإنه لا نزاع بينهم أن الباري سبحانه هو موجود مستقل وغير مفتقر كما أنهم متفقون على أنه قديم غير محدث؛ لكن العلم باستقلاله وقيامه بنفسه هو أولى به وأبين وأسبق في القلب من كونه قديما، كما أن العلم بوجوده أولى به من العلم بوجوب وجوده، إذ لو لم يكن مستقلا بنفسه غنيا عن المحل امتنع أن يكون قديما وحده أو واجبا بنفسه، كما أنه إذا لم يكن موجودا امتنع أن يكون واجبا بخلاف العكس، فإن ما لم يكن قديما وحده أو لم يكن واجبا بنفسه لا يمتنع أن يكون مستقلا أو موجودا فصار هذا مع هذا كالذات والصفات.

وأيضا: فإذا كان الموجود الأزلي لا بدء له ولا نهاية لوجوده، وذلك لا يمنع من دخوله في تقسيم الموجود إلى قديم [ ص: 374 ] وحادث، فكذلك كونه لا نهاية لذاته وصفاته -إن صح ذلك- لا يكون مانعا من دخوله في التقسيم إلى مستقل ومفتقر.

التالي السابق


الخدمات العلمية