وقد ذكرنا فيما تقدم منا من كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التلبية للحج ، وأن تأويل قول الله عز وجل : ( فمن فرض فيهن الحج   ) هو التلبية . ولم يذكر مع ذلك الموضع الذي تبتدئ فيه التلبية حتى يدخل بها في الحج . وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار مختلف فيها . فمنها ما : 
 1163  - قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق ،  قال حدثنا  وهب بن جرير ،  قال حدثنا  شعبة  عن  قتادة ،  عن أبي حسان ،  عن  ابن عباس :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة  ثم أتى براحلته فركبها ، فلما استوت به على البيداء أهل .  
ومنها ما : 
 1164  - قد حدثنا  الربيع المرادي ،  قال حدثنا أسد ،  قال حدثنا  حاتم بن إسماعيل ،  قال حدثنا  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، عن  جابر بن عبد الله :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، ركب ناقته القصواء ، فلما استوت به على البيداء أهل .  
فكان الذي في هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من البيداء ، ولا يمنع ذلك عندنا أن يكون قد أهل بالحج قبل ذلك . 
 [ ص: 30 ] ومنها ما : 
 1165  - قد حدثنا  يزيد بن سنان ،  قال حدثنا  القعنبي ،  قال : قرأت على  مالك ،  عن  موسى بن عقبة ،  عن سالم  ، عن أبيه قال : بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد .  
يعني مسجد ذي الحليفة .  ومنها ما : 
 1166  - قد حدثنا يونس ،  قال حدثنا  ابن وهب ،  أن  مالكا  أخبره عن  موسى بن عقبة ،  فذكر بإسناده مثله . 
 1167  - قد حدثنا نصر بن مرزوق ،  قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ،  قال حدثنا  وهيب بن خالد ،  عن  موسى بن عقبة ،  فذكر بإسناده مثله . 
وكان الذي في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من عند المسجد مسجد ذي الحليفة   .  وذلك قبل أن تستوي به راحلته على البيداء . فزاد في التقدم للإحرام بالحج على ما في الحديثين الأولين . ولا يمنع ذلك أن يكون قد كان أهل بالحج قبل ذلك . ومنها ما : 
 1168  - قد حدثنا  إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي  إملاء ، قال حدثنا  أبو نعيم ،  قال حدثنا  عبد السلام بن حرب ،  عن خصيف ،  عن  سعيد بن جبير ،  قال لي ، قيل  لابن عباس :  كيف اختلف الناس في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت طائفة : أهل في مصلاه . وقالت طائفة : حين استوت به راحلته . وقالت طائفة : حين علا على البيداء .  
فقال : سأخبركم عن ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل في مصلاه ، فشهده قوم فأخبروا بذلك . فلما استوت به راحلته أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرة . 
 [ ص: 31 ] الأولى فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك فلما علا البيداء أهل ، فشهده قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين فقالوا : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة ، فأخبروا بذلك ، وإنما كان إهلال النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه . 
فكان الذي في هذا الحديث قد أنبأنا عن المواضع التي منها جاء الاختلاف في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج أين كان ؟ وإن إهلاله الذي دخل به في الحج إنما كان في دبر الصلاة التي صلاها للإحرام ، وإن ما سواه من إهلاله للحج بعد ذلك إنما كان بعد دخوله في الحج بإهلاله المتقدم في دبر الصلاة . واكتفينا بهذا الحديث عن ذكر ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لبى بحجه حين استوت به راحلته . وما روي عنه أنه لبى به صلى الله عليه وسلم حين انبعثت به راحلته . 
وهكذا كان  أبو حنيفة ،   وأبو يوسف ،  ومحمد  يستحبون لمن أراد التلبية بالحج أن يكون يلبي بها في مصلاه الذي يصلي فيه الصلاة للإحرام حدثنا بذلك من قولهم سليمان بن شعيب  عن أبيه عن محمد .  ولم يحك فيه خلافا بينه وبين أحد من أصحابه . 
وكان  عبد الله بن عباس  لما علم بعدم إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم الوقت الذي علم غيره إحرامه فيه أولى . لأن من علم شيئا أولى به ممن لم يعلمه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					