الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما الخطبة الثالثة ، وما ذهب إليه الشافعي ، إنها في يوم النحر ، وما ذكرناه عن زفر فيها مثل ذلك أيضا ، فقد روى عبد الله بن عمر ، وعمرو بن الأحوص ، وأبو بكرة ، وأبو عادية ، ورجل آخر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب يوم النحر في حجة الوداع فمن ذلك ما :

                  1370 - قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا دحيم بن اليتيم ، قال حدثنا الوليد بن مسلم ، قال حدثنا هشام بن الغاز الحرشي ، قال حدثنا نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج ، فقال للناس : أي يوم هذا ؟ فقالوا : يوم النحر قال : فأي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام قال : فأي شهر هذا ؟ قالوا : الشهر الحرام قال : هذا يوم الحج الأكبر ، فدماؤكم ، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا اليوم ثم قال : هل بلغت ؟ قالوا : نعم فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم اشهد ، ثم ودع الناس ، فقالوا : هذه حجة الوداع .

                  1371 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا يونس بن محمد ، قال حدثنا حسين بن عازب بن سبيب بن غرقدة أبو غرقدة ، عن سبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن عمرو بن الأحوص ، قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فقال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم الحج الأكبر يا رسول الله قال : فإن دماءكم وأعراضكم حرام بينكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، أن لا لا يجني جان إلا على نفسه ، أن لا لا يجني والد على ولده ، ولا مولود على والده ، أن لا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا بعد يومكم هذا ، ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحقرون من أعمالكم يرضى بها عنكم فاحذروه ، فإنه عدو لكم ألا وإن كل ربا [ ص: 126 ] كان في الجاهلية فإنه موضوع ، لكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وإن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله أن لا وإن كل دم كان في الجاهلية فإنه موضوع كله ، وإن أول دم يوضع دم الحارث بن عبد المطلب ، كان مسترضعا في بني لبابة ، فقتلته والمسلم أخو المسلم ، لا يحل له من ماله إلا ما أحل له من مال نفسه أن لا واتقوا الله عز وجل في النساء ، فإنما هن عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله عز وجل ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل ، لكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن أن لا يؤذن في بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يوطئن فرشكم من تكرهون ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع ، واضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا .

                  ومن حقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، ثم نادى : يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ يا أمتاه ، هل بلغتكم ؟ ثلاثا . ثم قال : اللهم اشهد .

                  ثم قالت جارية من الحي لأمها : يا أمتاه ما له يدعو أمه ؟ قالت : أي بنية إنما يدعو أمته .


                  1372 - وما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا أبو الأشهب هودة بن خليفة البكراوي ، قال حدثنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبي بكرة ، قال : لما كان ذلك اليوم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ، ثم وقف ، فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه ، ثم قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى .

                  ثم قال : أتدرون أي شهر هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه ، قال : أليس ذا الحجة ؟ فقالوا : بلى فقال : أتدرون أي بلد هذا ؟ فسكتنا حتى رينا أن سيسميه سوى اسمه قال : أليس البلد ؟ فقلنا : بلى قال : إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم بينكم في مثل يومكم هذا ، في مثل شهركم هذا ، في مثل بلدكم هذا ، أن لا ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب مبلغ أوعى من مبلغ ثم مال على ناقته إلى غنيمات ، فجعل يقسمهن بين الرجلين [ ص: 127 ] الشاة ، وبين الثلاثة الشاة .


                  1373 - ومنه ما قد حدثنا علي بن معبد ، قال حدثنا يونس بن محمد ، قال حدثنا ربيعة بن كلثوم بن جبير ، قال : حدثني أبي ، عن أبي عادية رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة فقال : يا أيها الناس ، أن لا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى يوم تلقون ربكم عز وجل ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ فقلنا : نعم قال : اللهم اشهد ، ألا لا ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض .

                  1374 - ومنه ما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت مرة الهمداني ، قال حدثنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة ، فقال : أتدرون أي يوم يومكم هذا ؟ قالوا : يوم النحر قال : صدقتم ، يوم الحج الأكبر ، أتدرون أي شهر شهركم هذا ؟ قالوا : ذو الحجة قال : صدقتم ، شهر الله الأصم ، أتدرون أي بلد بلدكم هذا ؟ قالوا : المشعر الحرام قال : صدقتم ، فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، أو كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا ، أن لا إني فرطكم على الحوض ، وإني مكاثر بكم الأمم والناس ، فلا تسودوا بوجهي ، أن لا وقد رأيتموني ، وسمعتم مني ، وستسألون عني ، فمن كذب على فليتبوأ مقعده من النار ، ألا وإني مستنقذ رجالا ونساء ، ومستنقذ مني آخرون ، فأقول : أصحابي ، فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

                  وكانت هذه الآثار مما احتج بها الذين ذهبوا إلى أن أمير الحاج يخطب بالحاج يوم [ ص: 128 ] النحر ، فكان من الحجة عليهم للآخرين الذين ذهبوا إلى أن لا خطبة في يوم النحر للحج ، إن هذه الخطبة التي كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم النحر لم تكن في أسباب الحج ، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما ذكر فيها الأمور لا يصلح لأحد بعده ذكر بعضها ، لأن الذين يأمرون أمير الحاج أن يخطب بالحاج في يوم النحر يأمرونه أن يخطب بهم في سبب من أسباب حجهم ، في تعليمهم رمى جمارهم ، وفي التعجيل لمن أراده ، وفي المقام لمن أراده ، وفي نحر النسك والدماء ، لا فيما سوى ذلك .

                  فلما وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخطب الناس بذلك في يوم النحر في حجته ، ولكنه خطبهم بغيره ، عقلنا بذلك أن خطبته تلك لم تكن للحج ، وأنها كانت لما سواه وفي تركه صلى الله عليه وسلم الخطبة يومئذ بأسباب الحج دليل أن لا خطبة للحج في يوم النحر كما يقول أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن مما قد حكيناه عنهم في ذلك .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية