الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( ومن عاد فينتقم الله منه ) الآية .

                  قال الله جل ثناؤه : ( ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام ) .

                  [ ص: 288 ] فاختلف أهل العلم في هذا الوعيد ، هل معه جزاء على المحرم المصيب للصيد في إحرامه عامدا كما كان عليه في إصابته إياه بدءا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا جزاء عليه في ذلك ، ورووا ذلك عن شريح .

                  1733 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن شريح ، قال : جاءه رجل ، فقال : إنه أصاب صيدا وهو محرم ، فقال هل كنت أصبته قبل ذلك ؟ . قال : لا قال : أما أني لو أعلم أنك أصبته قبل ذلك لم أحكم عليك ، ولوكلتك إلى الله عز وجل ، فكان هو الذي ينتقم منك ، والله عزيز ذو انتقام .

                  1734 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد ، عن عطاء بن السائب ، عن شريح ، قال : يحكم عليه ، فإن أعاد ترك والنقمة .

                  وذهب بعضهم إلى أنه يحكم عليه إذا أصابه عائدا كما يحكم عليه إذا أصابه مبتدئا ، ولم يرفعوا عنه الجزاء الواجب عليه ندبا بوجوب النقمة عليه في العود وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وزفر ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، كما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، ولم يحك في ذلك خلافا .

                  وهكذا كان مالك بن أنس ، والشافعي يقولان في هذا أيضا وقد روي ذلك عن غير واحد من المتقدمين منهم عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير .

                  1735 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن عطاء ، في الرجل يقتل الصيد ، ثم يعود ، قال : إذا عاد أعيد عليه .

                  [ ص: 289 ] 1736 - وكما حدثنا صالح ، أيضا ، قال حدثنا سعيد ، قال حدثنا هشيم ، عن داود ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال : إذا عاد أعيد عليه .

                  1737 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج بن منهال ، قال حدثنا حماد ، قال أخبرنا داود ، قال : ذكرت لسعيد بن جبير قول شريح في المحرم يقتل الصيد متعمدا ، أنه يحكم عليه مرة واحدة ، فإن عاد ترك والنقمة ، .

                  فقال سعيد بن جبير : ما قال شيئا ، يحكم عليه كلما عاد .

                  1738 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن عطاء بن أبي رباح ، في محرم أصاب صيدا عمدا ، ثم عاد ، قال : يحكم عليه كلما عاد .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه ، فوجدنا عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قد حكموا على المحرمين في إصابة الصيد بما قد ذكرناه عنهم بأسانيده فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، ولم يسأل أحد منهم المحكوم عليه فيه أم لا ، فدل ذلك أنه لا فرق كان عندهم في البدء والعود في ذلك وقد وجدنا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا أيضا من جعله على قاتل الضبع في إحرامه كبشا ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم من هذا الباب .

                  وفي تركه صلى الله عليه وسلم سؤاله هل كان قتل صيدا قبلها أم لا ، دليل على استواء الحكم كان عنده في ذلك ثم النظر أيضا يدل على ذلك ، وذلك إنا رأينا أشياء منع الله عز وجل المحرمين منها بالإحرام ، فمنها الجماع ، ومنها قتل الصيد إلى سائر ما نهى عنه سواهما في الإحرام فكان من جامع في إحرامه مرة فوجب عليه الهدي فأهداه ، ثم جامع ثانية في إحرامه وجب عليه الهدي أيضا ، وكان ما يجب عليه في جماعه في المرة [ ص: 290 ] الثانية مثل الذي كان وجب عليه في جماعه في المرة الأولى ، فكذلك ما يجب عليه في إصابة الصيد عائدا هو مثل الذي كان وجب عليه في إصابته إياه بدءا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية