الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  تأويل قوله تعالى : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) .

                  قال الله جل ثناؤه : ( الطلاق مرتان ) الآية وكان قوله : ( الطلاق مرتان ) من المتشابه المختلف في المراد به ما هو ؟

                  فروي عن ابن عباس في ذلك ما :

                  2018 - حدثنا محمد بن الحجاج ، وعلي بن عبد الرحمن ، قالا : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في قوله عز وجل : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة ، فإما يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها ، أو يسرحها بإحسان ولا يظلمها من حقها شيئا .

                  قال أحمد : فمعنى ذلك عندنا - والله أعلم - على أن يطلقها الاثنتين كما يجب أن يطلقها إياهما في مواضعهما ، وفي التفريق بينهما ، وفي وضع كل واحدة منهما في موضعها الذي أمر الله عز وجل بالطلاق فيه في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا من ذلك في موضعه فيما تقدم .

                  وقد روي عن عكرمة في تأويل هذه الآية ما :

                  2019 - حدثنا روح بن الفرج ، قال حدثنا يوسف ، قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة في قوله عز وجل : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين ، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها الرجعة ، وإن شاء طلقها أخرى فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

                  فكان معنى هذا عندنا - والله أعلم - على استعمال عكرمة ظاهر الآية ، وعلى [ ص: 448 ] المأمور به من الطلاق تطليقتان حتى يكون الذي يتلوهما من الطلاق ضدا لهما ، لأنه يكون للمطلق بعدهما الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، ولا يكون له بعد ضدهما شيء من ذلك ، لأن ضدهما هو الواحدة التي تحرم المرأة عليه حتى تنكح زوجا غيره .

                  وقد روي عن مجاهد في تأويلهما أيضا ما :

                  2020 - حدثنا أبو شريح محمد بن زكرياء ، وابن أبي مريم ، قالا : حدثنا الفريابي ، قال حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، وأراه عن مجاهد ، في قوله : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، قال : يطلق الرجل امرأته في غير جماع طاهرا ، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى إن أحب ، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهاتان تطليقتان وقرءان ، ثم قال الله جل ثناؤه في الثالثة :

                  ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) ، فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء جمع بانها .

                  ففي هذا جمع الثالثة مع الثانية في قرء واحد ، وهذا عندنا من قول مجاهد ليس بشيء ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر عبد الله بن عمر لما طلق امرأته بمراجعتها ، وأن لا يطلقها بعد ذلك حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر .

                  فكان في ذلك نهي منه إياه عن جمع التطليقتين في قرء واحد ، وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما دل على أن التأويل في هذه الآية خلاف الذي تأولها عكرمة ومجاهد ، وأن تأويلها - والله أعلم - إنما هو على أن يطلقها كل واحدة من التطليقتين الأوليتين في طهر غير الطهر الذي طلقها صاحبها فيه وهذا مذهب أبي يوسف ، ومحمد .

                  [ ص: 449 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية