الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  كتاب الطلاق .

                  [ ص: 317 ] تأويل قول الله عز وجل : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) .

                  فأمر عز وجل بطلاق النساء للعدة ، وبين على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تلك العدة ما هي .

                  1781 - كما حدثنا أبو بكرة القاضي ، ويزيد بن سنان ، وإبراهيم بن مرزوق ، قالوا : حدثنا أبو عاصم ، قال أبو بكرة ، ويزيد في حديثهما قال أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن ، ثم اجتمعوا في حديثهم ، فقالوا : سأل عبد الله بن عمر ، وأبو الزبير يسمع ، عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، فقال : طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : قل له فليردها ، فإذا طهرت فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك ، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم : (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) .

                  هكذا قال أبو بكرة ويزيد في حديثهما وأما ابن مرزوق فقال في حديثه : وتلا : (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) ولم يضف التلاوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                  فعقلنا بذلك أن العدة التي لها يكون الطلاق على ما أمر الله عز وجل به في الآية التي تلونا ، ابتداؤها الوقت الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يأمر عبد الله أن يطلق فيه امرأته إن آثر أن يطلقها بعد ردها إليه من الطلاق الأول ولم [ ص: 318 ] يذكر أبو الزبير هذا في حديثه عن ابن عمر ذلك الرد ما هو ، هل هو رجعة يحدثها فيما بينه وبين المطلقة أو ما سواها ؟ .

                  وكذلك سعيد بن جبير روى هذا الحديث عن ابن عمر بألفاظ دون الألفاظ التي رواه عليها أبو الزبير عن ابن عمر ، ولم يذكر الرد الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر به عبد الله ما هو .

                  1782 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري ، قال حدثنا سعيد بن منصور ، قال حدثنا هشيم بن بشير ، قال أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : طلقت امرأتي وهي حائض ، فردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلقتها وهي طاهر .

                  فنظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذين الحديثين ما يدلنا على ذلك الرد ما هو ، فوجدنا بكارا :

                  1783 - قد حدثنا ، قال حدثنا وهب بن جرير ، قال حدثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن يونس بن جبير ، قال : سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض ، فقال : هل تعرف عبد الله بن عمر ؟ قلت : نعم قال : فإنه طلق امرأته وهي حائض ، فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : مره فليراجعها قلت : وتعتد بتلك التطليقة ؟ قال : فمه ، أرأيت إن عجز واستحمق .

                  1784 - وحدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري ، عن محمد بن سيرين ، قال : حدثني المغيرة بن يونس ، قال : سألت ابن عمر ، قلت : رجل طلق امراته وهي حائض ، فقال : أتعرف عبد الله بن عمر ؟ فقلت : نعم قال : فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض ، فأتى عمر [ ص: 319 ] النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ، ثم يطلقها في قبل عدتها .

                  1785 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال حدثنا حجاج ، قال حدثنا شعبة ، قال : أخبرني أنس بن سيرين ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : طلق ابن عمر امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : فليراجعها ، فإذا طهرت فليطلقها فقيل : احتسبت بها ؟ فقال : فمه .

                  1786 - حدثنا فهد ، قال حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، قال حدثنا زهير بن معاوية الجعفي ، قال أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أنس بن سيرين ، قال : سألت ابن عمر ، كيف صنعت في امرأتك التي طلقت ؟ .

                  فقال : طلقتها وهي حائض ، فذكرت ذلك لعمر ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله ، فقال : مره فليراجعها ، ثم ليطلقها عند طهر .

                  قال : فقلت : وكنت ، جعلت فداك ، اعتددت بالطلاق الأول ؟ .

                  فقال : وما يمنعني وإن كنت أسأت واستحمقت .


                  1787 - حدثنا فهد ، قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، قال حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن سالم عن ابن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض ، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مره فليراجعها ، ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل .

                  [ ص: 320 ] 1788 - حدثنا محمد بن عبد الحكم ، قال حدثنا يحيى بن حسان ، قال حدثنا أبو المليح الرقي ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، أنه طلق امرأته وهي حائض ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها حتى تطهر ، فإذا طهرت فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك .

                  1789 - حدثنا فهد ، قال حدثنا علي بن سعيد ، قال حدثنا أبو المليح ، عن ميمون ، عن ابن عمر ، أنه طلق امرأته في حيضتها ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتجعها حتى تطهر ، فإذا طهرت فإن شاء طلق ، وإن شاء أمسك قبل أن يجامع .

                  فعقلنا بذلك أن الرد الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر به عبد الله هو الارتجاع للطلاق ، وذلك لا يكون إلا وقد احتسبت عليه بالطلاق الذي كان منه وكان ما أراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المراجعة التي أمر عمر أن يأمر بها ابن عمر ، لأن الذي كان منه كان خطأ ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمره أن يراجعها حتى يقطع بذلك أسباب الخطإ ثم إن آثر أن يطلقها بعد ذلك طلقها طلاقا صوابا حتى يبين منه بأسباب ذلك الطلاق الصواب وكذلك كان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد يأمرون من كان منه مثل هذا الطلاق بالمراجعة ، ليقطع أسبابه عنه ، وتخرج به المرأة من أسباب الخطإ ، ثم إن شاء بعد ذلك طلقها طلاقا صوابا في الموضع الذي أمر بالطلاق فيه ، ولا يحكمون عليه بذلك ، ولا يجبرونه عليه وكذلك كان سفيان الثوري يقول في ذلك كما حدثنا مالك بن يحيى الهمذاني ، قال حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم ، عن الأشجعي ، عن سفيان بذلك وأما مالك فكان يجبره على ذلك ، ويحكم عليه كما حدثنا يونس ، قال أخبرنا ابن وهب ، عن مالك بذلك .

                  وقد روي عن أبي موسى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فيه معنى ما في حديث أبي الزبير وسعيد اللذين ذكرناهما في صدر هذا الباب ، غير التلاوة التي في حديث أبي الزبير ، فإنها ليست فيه .

                  [ ص: 321 ] 1790 - كما حدثنا فهد ، قال حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، قال حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن أبي خالد يعني الدالاني ، عن أبي العلاء الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم : يقول أحدكم لامرأته : قد طلقتك ، قد راجعتك ، ليس هذا بطلاق المسلمين ، طلقوا المرأة في قبل طهرها .

                  فذلك عندنا - والله أعلم - على أن يطلقوها في طهر لم يجامع فيه على ما ذكرنا في حديث فهد ، عن علي ، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإن شاء أمسك قبل أن يجامع وهذا المعنى فلم نجده في حديث أحد ممن رواه عن ابن عمر ، عن ميمون وغير حديث روي عن نافع ، عن ابن عمر مثل ذلك سنذكره بعد في هذا الباب إن شاء الله .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية