الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلفوا في المحصر في الحج كما ذكرنا إذا حل بنحر الهدي ، هل يحلق رأسه عند ذلك كما يحلقه لو حل بغيره في غير الإحصار أم لا ؟ .

                  فكانت طائفة منهم تقول : لا حلق عليه في ذلك ، وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، كما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن محمد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة قال محمد : وهو قولنا .

                  وكانت طائفة منهم تقول : يحلق ، فإن لم يحلق فلا شيء عليه وممن كان يقول ذلك منهم أبو يوسف ، كما حدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن أبي يوسف .

                  [ ص: 254 ] وكانت طائفة منهم تقول : يحلق ، ولا بد له من الحلق أو التقصير كما لا بد له منه إذا كان غير محصر وهذا القول عندنا أولى هذه الأقوال .

                  فقد روي عن أبي يوسف في نوادره كما حدثنا أحمد بن أبي عمران ، عن محمد بن سماعة ، عن أبي يوسف واحتج أبو يوسف لقوله ذلك بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفضيله المحلقين على المقصرين ، وقالوا : لولا أن الحلق والتقصير في حال الحصر على ما كانا عليه قبل الحصر لما فضل الحالقون المقصرين ، إذ كان الحلال الحالق لا يفضل الحلال المقصر وقد ذكرنا الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فيما تقدم من كتابنا هذا ، وفيما ذكرنا مما حدث جابر بن عبد الله في القصة التي فضل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحالقين على المقصرين ، وأنه لم يكن ذلك إلا لقول كان من المقصرين ففي ذلك الحديث ما يفسد به على أبي يوسف هذه العلة التي اعتل بها وقد كان محمد بن الحسن احتج في ذلك لأبي حنيفة ولنفسه ، فقال : لما كان المحصر قد سقط عنه سائر مناسك الحج سوى الحلق ، سقط عنه أيضا الحلق قد حل عليه في ذلك أنه سقط عنه ما منع ، وحيل بينه وبينه بالحصر من الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ، والوقوف بعرفة وجمع ، ولم يسقط عنه بقاء الحرمة في بدنه حتى ينحر الهدي ، لأنه لم يمنع من ذلك وكان القياس على ذلك أن يكون كذلك الحلق الذي هو قادر على فعله إياه ، لا يسقط عنه وقد ذكرنا وجوه الإحصار في الحج ، والإحصار في العمرة مما قد اختلف أهل العلم فيه .

                  فقالت طائفة منهم : قد يكون المحرم بها محصرا كما قد يكون محصرا بالحج فحكمه حكم المحصر بالحج في جميع ما ذكرنا ، إلا أنه ينحر عنه الهدي في أي يوم شاء في الحرم ، لا فيما سواه ، وممن كان يقول ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد كما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي بن معبد ، عن محمد بن الحسن ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ؛ وعن محمد بن الحسن عن أبي يوسف ؛ وعن علي ، عن محمد في ذلك .

                  وقالت طائفة منهم لا يحل من العمرة أبدا دون البيت ، لأنه لا وقت لها ، وليست كالحج الذي له وقت معلوم .

                  [ ص: 255 ] ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيما اختلفوا فيه منه لنعلم به الصحيح من قوليهم هذين إن شاء الله ، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان حصر العدو إياه حتى حل ، ونحر الهدي دون البيت في عمرة ، لا في حجه . كما :

                  1684 - حدثنا يونس ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا ، حدثه عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة ، وقال : إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأهل بعمرة من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية .

                  1685 - وكما حدثنا محمد بن عمرو بن تمام ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثني ميمون بن يحيى ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، قال : سمعت نافعا مولى ابن عمر ، يقول : قال ابن عمر : إذا عرض للمحرم عدو فإنه يحل حينئذ ، قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حبسه كفار قريش في عمرة عن البيت ، فنحر هديه ، وحلق وحل هو وأصحابه ، ثم رجعوا حتى رجعوا من العام المقبل .

                  فثبت بما ذكرنا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوب حكم الإحصار في العمرة كوجوبه في الحج
                  على ما ذكرنا .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية