الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  وأما قوله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ، فالمراد من ذلك عندنا - والله أعلم - أن الإحصار بالحجة يبيح لصاحبها البعثة بالهدي ، والإحلال إذا بلغ الهدي محله ، فإذا بلغ محله حل ووجب عليه حجة مكان الحجة التي صد عنها لخروجه منها ، ولإحلاله له منها قبل تمامها ، كما يجب على الذي يفوته الحج من الإحلال بالحجة التي فاتته بعمرة .

                  فإن قال قائل : فقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عكرمة مولى ابن عباس ، عن الحجاج الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : من كسر أو عرج فقد حل ، وعليه حجة أخرى ، ولم يذكر في ذلك عمرة ؟ .

                  قيل له : ليس في حديث الحجاج هذا للعمرة ذكر كما ذكرت ، ولكن فيه أن عكرمة ذكر ذلك لابن عباس ، وأبي هريرة ، عن الحجاج الأسلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصدقا الحجاج على ذلك ، فصار ذاك الحديث عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والحجاج الأسلمي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قد روى سعيد بن جبير [ ص: 267 ] عن عبد الله بن عباس ما يدل على وجوب العمرة عنده على المحصر بالحج بعد إحلاله منه ببلوغ الهدي محله كما :

                  1712 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال أخبرنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قول الله عز وجل : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، قال : هي في قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لا يجاوز بالعمرة البيت .

                  قال : ( فإن أحصرتم ) إذا أهل الرجل بالحج فأحصر ، بعث بما استيسر من الهدي شاة ، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة .

                  قال : ( فإذا أمنتم ) قال : يقول : إذا برأ ، فمضى من وجهه ذلك حتى يأتي البيت ، حل من حجته بعمرة ، وكان عليه الحج من قابل ، وإن هو رجع ، ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت ، كان عليه حجة ، وعمرة ، ودم لتأخير العمرة .

                  فإن خرج متمتعا في أشهر الحج كان عليه من ما استيسر من الهدي شاة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله .

                  قال لي إبراهيم : آخر الصيام ثلاثة أيام في الحج ، يوم عرفة قال إبراهيم : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله .

                  هكذا حدثنا يوسف بن يزيد ، عن يوسف بن عدي ، عن أبي معاوية وأما أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، فحدثناه عن أبي معاوية مختصرا .

                  [ ص: 268 ] 1713 - حدثنا أبو بشر الرقي ، قال حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله عز وجل : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ، قال : هي في قراءة عبد الله وأتموا الحج والعمرة إلى البيت .

                  قال : لا يجاوز بالعمرة ما البيت .

                  قال : فإذا أهل الرجل بالحج فحوصر ، بعث ما استيسر من الهدي شاة ، فإن هو عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيبا ، أو تداوى ، كان عليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، والصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة ( فإذا أمنتم ) ، يقول : إذا برأ ، فمضى من وجهه ذلك حتى يأتي البيت حل من حجه بعمرة ، وكان عليه الحج من قابل ، وإن هو رجع ، ولم يتم من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة ، وعمرة ، ودم بتأخيره .

                  وأما يحيى بن سعيد القطان ، فروى هذا الحديث عن الأعمش .

                  1714 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا يحيى بن سعيد ، قال حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، ( وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم ) ، قال : إذا أحصر الرجل بعث بالهدي ، ( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) ، فلا يحلق حتى يبلغ الهدي محله ، ( فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) ، الصيام ثلاثة أيام ، فإن عجل ، فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله ، فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك ، صيام ثلاثة أيام ، أو صدقة يتصدق على ستة مساكين ، والنسك شاة ، فإذا أمن مما كان به ، ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ) ، فإن مضى من وجهه ذلك فعليه حجة ، وإن أخر العمرة إلى آخر العمرة إلى قابل ، فعليه حجة ، وعمرة ، وما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ، آخرها يوم عرفة ، ( وسبعة إذا رجعتم ) .

                  [ ص: 269 ] قال : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال : هذا قول ابن عباس ، وعقد بيده ثلاثين .

                  قال أحمد : ولا يكون ذلك عندنا - والله أعلم - إلا على أن الذي حكاه عكرمة ، عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، والحجاج الأسلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مستكملا لجميع الواجب على المحصر بالحج عند ابن عباس ، ولم يكن ابن عباس ليزيد على ما حدثه عكرمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا ما يجب له زيادته عليه .

                  وأما قوله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، والمراد بذلك عندنا - والله أعلم - أن من تمتع من المحصرين بالحج بالعمرة التي وجبت عليه ، إلى الحجة التي يقضيها بدلا من حجته التي أحصرها ، وحل منها على وجه التمتع التي ذكرنا فيما قبل هذا الباب من كتابنا هذا ، كان عليه ما استيسر من الهدي ، كما يكون على من تمتع بالعمرة إلى الحج ممن لم يكن ذلك واجبا عليه فيما قبل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية