الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  واختلف أهل العلم في الوقت الذي يكون غير حاضري المسجد الحرام متمتعا بإحرامه فيه بعمرة وبحجة في عامه ذلك قبل رجوعه إلى أهله .

                  فقال بعضهم : إذا أحرم بها في شوال ، أو في ذي القعدة ، أو في العشر الأول من ذي الحجة ، وقضاها ، ثم حج من عامه ذلك ، كان متمتعا قالوا : وكذلك لو أحرم بها قبل هذه الأشهر التي ذكرنا ، ثم طاف أكثر طوافها في هذه الأشهر التي وصفنا ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان متمتعا .

                  قالوا : وإن كان طاف قبل هذه الأشهر أكثر طواف العمرة ، ثم طاف بقية طوافها في هذه الأشهر ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، لم يكن بذلك متمتعا وممن قال ذلك منهم أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد وكان الذي راعوه من ذلك هو الأكثر من طواف العمرة ، وإن كان ذلك سنة في أشهر الحج اللاتي ذكرنا ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان متمتعا وإن كان الذي طافه لعمرته في أشهر الحج الأقل من طوافها ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، لم يكن بذلك متمتعا .

                  وقال بعضهم : إذا أحرم بالعمرة في أي وقت كان من السنة ، وحل منها ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، كان بذلك متمتعا .

                  ولا نعلم هذا القول روي عن أحد غير طاووس فإن محمد بن خزيمة :

                  [ ص: 232 ] 1631 - حدثنا ، قال حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم العبدي المؤذن ، قال حدثنا ابن جريج ، قال قال طاوس : من اعتمر في السنة كلها في المحرم فما سواه من الشهور ، فأقام حتى يحج ، فهو متمتع .

                  وقال بعضهم : إذا دخلت عليه أشهر الحج قبل إحلاله من عمرته ، فحل منها في أشهر الحج ، كان بذلك متمتعا ، وممن روي عنه هذا القول مالك بن أنس .

                  1632 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالك بن أنس ، حدثه ، قال من اعتمر في رمضان ، فدخل عليه شوال قبل أن يحل من عمرته ، فهو مثل من اعتمر في شوال ، وذي القعدة ، وذي الحجة ، ثم حج ، يجب عليه ما يجب على المعتمر في أشهر الحج .

                  فكان الذي راعى أهل هذا القول الإحلال من العمرة في أشهر الحج ، لا ما سواه وقد روي عن مالك بن أنس من غير هذا الوجه أنه لو كان يقول : لا يكون متمتعا بما ذكرنا حتى يكون قد بقي عليه من طواف عمرته شوط فأكثر منه ، فيطوف الباقي عليه منها في أشهر الحج ، ثم يحل ، ثم يحج من عامه ذلك ، ولا يرجع إلى أهله .

                  ولما اختلفوا في ذلك نظرنا فيه ، فوجدنا قول الله عز وجل : ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) ، لم يبين لنا عز وجل في ذلك كيفية التمتع ، ووجدنا أهل العلم جميعا لا يختلفون فيمن أحرم بعمرة في سنة من السنين ، فطاف لها ، وحل منها ، ثم أقام حتى حج في السنة التي بعد تلك السنة ، لا في السنة الأولى ، أنه لا يكون بذلك متمتعا ، فعلمنا بذلك أن التمتع بالعمرة إلى الحج ليس هو اتباع الحج العمرة في كل وقت من الأوقات ، وإن ذلك إنما يكون على اتباع الحج العمرة في وقت خاص ، ولا يدخل فيما علمنا من أداء الله عز وجل به خاصا ، إلا ما أجمعوا على دخوله فيه وقد أجمعوا في [ ص: 233 ] الأقوال التي ذكرنا فيمن طاف أكثر طواف العمرة في أشهر الحج ، ثم حج من عامه ذلك ، ولم يرجع إلى أهله ، أنه يكون متمتعا ، ولم يجمعوا على ما سوى ما ذكرنا ، فأدخلنا في الآية ما أجمعوا على دخوله فيها ، ولم يدخل فيها ما سوى ذلك مما لم يجمعوا على دخوله فيها ، فثبت بذلك ما ذكرنا عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد في هذا الباب .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية