الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  أحكام القرآن الكريم للطحاوي

                  الطحاوي - أبو جعفر الطحاوي

                  صفحة جزء
                  ورويت في هذا آثار أخر تدل على ما ذكرنا من نفي عتاق المكاتب بعقد المكاتبة ، وهي ما :

                  2060 - حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، قال حدثنا محمد بن سابق ، قال [ ص: 468 ] حدثنا زائدة ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها اشترت بريرة من ناس من الأنصار ، واشترطوا الولاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن ولي النعمة .

                  قال : وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان زوجها عبدا .


                  2061 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا قبيصة ، قال حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : اشتريت جارية يقال لها : بريرة ، فاشترط مواليها أن الولاء لهم ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها ، فإنما الولاء لمن ولي النعمة ، وأعطى الثمن .

                  2062 - حدثنا أبو أمية ، قال حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي ، قال حدثنا حماد بن سلمة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة ، أنها اشترت بريرة ، فأعتقتها وشرطت لأهلها أن الولاء لهم ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الولاء لمن أعتق .

                  2063 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال حدثنا بشر بن عمر ، قال حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن إبراهيم عن الأسود ، عن عائشة ، أنها أرادت أن تشتريى بريرة فتعتقها ، واشترط مواليها الولاء ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اشتريها فاعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجها .

                  2064 - حدثنا يحيى بن عثمان ، قال حدثنا يوسف بن عدي ، قال حدثنا يحيى [ ص: 469 ] بن يعلى ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، أنها اشترت بريرة ، واشترط الذين باعوها الولاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن اشترى فأعتقها وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان زوجها حرا ، فاختارت نفسها ، وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما :

                  2065 - حدثنا فهد ، قال حدثنا أبو نعيم ، قال حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، قال : حدثني أبي ، قال : دخلت على عائشة ، فقالت : دخلت على بريرة وهي مكاتبة ، فقالت : اشتريني فاعتقيني ، فقلت : نعم .

                  فقالت : إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي ، فقلت لها لا حاجة لنا بذلك ، فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بلغه ، فذكر ذلك لعائشة ، فذكرت عائشة ما قالت لها ، فقال : اشتريها فاعتقيها ، ودعيهم فليشترطوا ما شاؤوا فاشترتها عائشة فاعتقتها ، واشترط أهلها الولاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط .


                  2066 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال حدثنا محمد بن كثير ، قال حدثنا همام ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن عائشة ساومت بريرة ، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إنهم أبوا أن يبيعوني إلا أن يشترطوا الولاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما الولاء لمن أعتق .

                  ففي هذه الآثار ابتياع عائشة بريرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها بذلك ، وهي مكاتبة قبل ذلك بما ذكرنا في بعضها ، وبما ذكرنا فيما تقدم من أجناسها ، فدل ذلك أن عقد المكاتبة لم يوجب لها عتاقا ، فثبت بذلك قول من منع العتاق بعقد المكاتبة ثم رجعنا إلى ما كنا فيه من الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 470 ] الدالة على مراد الله عز وجل بقوله : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) ، هل هو على الوجوب أو على الحض ؟ فوجدنا الربيع المرادي :

                  2067 - قد حدثنا ، قال حدثنا أسد ، قال حدثنا ابن أبي زائدة ، قال حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية ابنة الحارث في سهم لثابت بن قيس بن شماس ، أو لابن عم له ، فكاتبت على نفسها قالت : وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في مكاتبتها ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب الحجرة فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، سيد قومه ، وقد أصابني من الأمر ما لم يخف ، فوقعت في سهم لثابت بن قيس ، أو لابن عم له ، فكاتبته ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على كتابتي قال : فهل لك في خير من ذلك قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقضي عنك كتابتك وأتزوجك . قالت : نعم .

                  قال : فقد فعلت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية ابنة الحارث ، فقالوا : صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما في أيديهم قالت : فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فلا نعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها .


                  ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدى جميع مكاتبتها عنها إلى الذي كانت وقعت في سهمه فكاتبها ، ولو كان لها على الذي وقعت في سهمه حطيطة مما كاتبها عليه ، لكان الذي يقصد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأداء عنها من المكاتبة ، هو الباقي عليها بعد تلك الحطيطة .

                  2068 - حدثنا فهد ، قال حدثنا يوسف بن بهلول ، قال حدثنا عبد الله بن [ ص: 471 ] إدريس ، قال حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن ابن عباس ، قال : حدثني سلمان الفارسي ، حدثنيه من فيه ، قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب فسألت صاحبي ذلك ، فلم أزل به حتى كاتبني على أن أحيي له ثلثمائة نخلة وبأربعين أوقية من ورق .

                  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعينوا أخاكم بالنخل فأعانني كل رجل بقدره بالثلاثين ، والعشرين ، والخمس عشرة ، والعشرة ، ثم قال لي : يا سلمان ، اذهب ففقر لها ، فإذا أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني توذني ، فأكون أنا الذي أضعها بيدي فقمت في فقيري ، فأعانني أصحابي حتى فقرنا ثراها ثلاثمائة ودية ، وجاء كل رجل بما أعانني من النخل ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يضعها بيده ، وجعل يسوي عليها ترابها حتى فرغ منها جميعا ، فلا والذي نفسي بيده ، ما بقيت منها واحدة ، وبقيت الدراهم ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن ، فتصدق بها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما فعل الفارسي المسكين المكاتب ؟ ادعوه لي فدعيت له ، فجئت ، فقال : اذهب فأدها عنك فيما عليك من المال قلت : فأين تقع هذه مما على يا رسول الله ، قال : إن الله سيؤديها .

                  ففي هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر مولى سلمان بحط عنه من مكاتبته ، ولا بوضع عنه منها فقد دل ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا من هذه الآثار أنه لا واجب للمكاتبين على من كاتبهم حطيطة مما كاتبوهم عليه ، ولا وضع عنهم منه .


                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية